كان في حكم المشيئة وليس رجاء القوم رجاء العاصين في رحمة الله ذلك رجاء آخر ما هو مقام وكلامنا في المقام والرجاء عند بعضهم مقام إلهي واستدلوا عليه بقوله في غير آية لعل وعسى ولهذا جعلها علماء الرسوم من الله واجبة (الباب الثالث ومائة في ترك الرجاء) لا تركنن إلى الرجاء فربما * أصبحت من حكم الرجاء على رجا فاضرع إلى الرحمن في تحصيله * فيه نجاتك فالسعيد من التجأ اعلم أيدك الله أن حكم صاحب هذا المقام شهود نفسه من حيث ما تطلبه به الحضرة الإلهية وضعف العبودية عن الوفاء بما تستحقه أو بما يمكن أن يوفيها من طاقتها المأمور بها في قوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم هذا من جهتنا وأما من جانب ما تستحقه الربوبية على العبودية فقوله اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون وليس لهم من الأمر شئ فقطع بهم هذا الأمر فهو مقام صعب وحالة شديدة فمن ترك الرجاء فقد ترك نصف الايمان فالإيمان نصفان نصف خوف ونصف رجاء وكلاهما متعلقهما عدم فإذا حصل العلم حصل الوجود وزال العدم وأزال العلم حكم الايمان لأنه شهد ما آمن به فصار صاحب علم والايمان تقليد والتقليد يناقض العلم إلا أن يكون المخبر معصوما عند المؤمن وفي نفسه من الكذب وليس بينك وبينه واسطة في إخباره فإن الدليل الذي حكم لك بصدقه وعصمته عن الخطاء والكذب فكنت فيه على بصيرة وهي العلم ينسحب لك على ما يخبرك به عن الله فيكون عندك خبره علما لا تقليدا وهذا لا يكون اليوم إلا عند أهل الكشف والوجود خاصة وأما عند أهل النقل فلا سبيل فالصحابة الذين سمعوا شفاها من الرسول ما لا يحتمله التأويل بما هو نص في الباب لا فرق بينهم وبين أهل الكشف والوجود فهم علماء غير مقلدين ما داموا ذاكرين لدليلهم فإن غابوا عن الدليل في وقت الإخبار فهم مقلدون مع ارتفاع الوسائط فاجعل دليلك ربك على الأشياء فلا تغفل عنه فإنك إذا كنت بهذه المثابة كنت صاحب علم وهو أرفع ما يكون من عند الله ولهذا أمر نبيه ص بالزيادة منه دون غيره من الصفات فمن علم الماضي والحال والمستأنف لم يبق له عدم فلم يبق له متعلق رجاء فلم يبق له رجاء من إنما أجزع مما أتقى * فإذا حل فمالي والجزع وكذا أطمع فيما أبتغي * فإذا فات فمالي والطمع فهذان البيتان جمعا ترك الرجاء والخوف بحصول المخوف وقوعه وفوت المرجو حصوله إلى وهذا وإن كان صحيحا في الرجاء فلا يكون هذا في رجاء المقام فإنه ما له خوف فوت الماضي وإنما له خوف فوت المستأنف لفوت سببه الذي مضى (الباب الرابع ومائة في مقام الحزن) الحزن مركبه صعب وغايته * ذهابه فولى الله من حزنا قلب الحزين هنا تقوى قواعده * هناك والغرض المقصود منك هنا دار التكاليف دار ما بها فرح * فالله ليس يحب الفارح اللسنا الحزن مشتق من الحزن وهو الوعر الصعب والحزونة في الرجل صعوبة أخلاقه والحزن لا يكون إلا على فائت والفائت الماضي لا يرجع لكن يرجع المثل فإذا رجع ذكر بذاته من قام به مثله الذي فات ومضى فأعقب هذا التذكر حزنا في قلب العبد ولا سيما فيمن يطلب مراعاة الأنفاس وهي صعبة المنال لا تحصل إلا لأهل الشهود من الرجال وليس في الوسع الإمكاني تحصيل جملة الأمر فلا بد من فوت فلا بد من حزن وهذه الدار وهذه النشأة نشأة غفلة ما هي نشأة حضور إلا بتعمل واستحضار بخلاف نشأة الآخرة فطلب منا أن ننشئ نفوسنا في هذه الدار نشأة أخرى يكون لها الحضور لا الاستحضار فهل ما طلب منا نعجز عنه أو لا نعجز ومحال أن يطلب منا ما لم يجعل فينا قوة الإتيان به ويمكننا من ذلك فإنه حكيم وقد أعطانا في نفس هذا الطلب علمنا بأن فينا قوة ربانية ولكن من حيث أنا مظهر لها أكسبناها قصورا عما تستحقه من المضاء في كل ممكن فطلبنا المعونة منه فشرع لنا أن نقول وإياك نستعين ولا حول ولا قوة إلا بالله فمن كان هذا
(١٨٦)