ولا تطغوا أي لا ترتفعوا عن أمره بما تجدونه في نفوسكم من خلقكم على الصورة الإلهية فتقولوا مثلنا لا يكون مأمورا فلا يعرف العلماء بالله هل وافق أمر الله إرادته فيهم أنهم يمتثلون أمره أو يخالفونه فلهذا صعب عليهم أمر الله واشتد وهو قوله ع شيبتني هود فإنها السورة التي نزل فيها فاستقم كما أمرت وأخواتها مما فيها هذه الآية أو ما في معناها فهم من ذلك على خطر وطريق الاستقامة لا تتقيد مراتبه ولا تنضبط كما قال ص استقيموا ولن تحصوا يعني طرق الاستقامة وما أحصيتم منها فلن تحصوا ما لكم في ذلك من الأجر والخير والظاهر إنما أراد لن تحصوا طرق الاستقامة فإنها كثيرة لن يسعها أحد منكم على التعيين ولهذا اتبع هذا القول بقوله واعملوا وخير أعمالكم الصلاة وإذ لم تستطيعوا إحصاء طرق الاستقامة فخذوا الأفضل منها وينظر إلى الاسم الحي المحيي بهذه العبادات الاسم القيوم ولهذا قيل للمكلف وأقيموا الصلاة وأقيموا الوزن فالقيوم أخو الحي الملازم له قال تعالى الله لا إله إلا هو الحي القيوم وقال ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم وقال وعنت الوجوه للحي القيوم فما جاء الاسم الحي إلا والقيوم معه فتدبر هذا الباب فإنه يحتوي على أسرار إلهية (الباب الثالث والثلاثون ومائة في مقام ترك الاستقامة) ألا إلى الله تصير الأمور * فلا تغرنك دار الغرور وكل ما خالف ما قاله * سبحانه فإنه قول زور فكل معوج له غاية * إليه حقا في جميع الأمور فلا تعين واحدا أنه * حكم بجهل حاصل أو قصور فصلت الأشياء أغراضنا * إلى سعيد وإلى من يبور ورجع الكل إلى قوله * ألا إلى الله تصير الأمور اعلم علمك الله أن ترك الاستقامة من أعلام الإقامة عند الله والحضور معه في كل حال كما قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في حق النبي ص من أنه كان يذكر الله على كل أحيانه فهو في الدنيا موصوف بصفة أرض الآخرة لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ولما كانت الاستقامة تتميز بالاعوجاج ولا اعوجاج فلا استقامة مشهودة فالكل في عين الوجود * على طريق واحد والكل في عين الرضى * من مؤمن أو جاحد وقد يكون مشهد صاحب هذا الشهود النظر في إمكان العالم والإمكان سبب مرضه والمرض ميل والميل ضد الاستقامة والإمكان للعالم نعت ذاتي لا يتصور زواله لا في حال عدمه ولا في حال وجوده فالمرض له ذاتي فالميل له ذاتي فلا استقامة فالعالم مرضه زمانة لا يرجى رفعها إلا إن الكون محل لوجود المغالطات لأمور تقتضيها الحكمة ويطلبها العقل السليم لعلمه بما يصلح الكون إذ شرع التكليف ولم يكن في الوسع أن تكون آحاد العالم على مزاج واحد فلما اختلفت الأمزجة كان في العالم العالم والأعلم والفاضل والأفضل فمنه من عرف الله مطلقا من غير تقييد ومنهم من لا يقدر على تحصيل العلم بالله حتى يقيده بالصفات التي لا توهم الحدوث وتقتضي كمال الموصوف ومنهم من لا يقدر على العلم بالله حتى يقيده بصفات الحدوث فيدخله تحت حكم ظرفية الزمان وظرفية المكان والحد والمقدار ولما كان الأمر في العلم بالله في العالم في أصل خلقه وعلى هذا المزاج الطبيعي المذكور أنزل الله الشرائع على هذه المراتب حتى يعم الفضل الإلهي جميع الخلق كله فأنزل ليس كمثله شئ وهو لأهل العلم بالله مطلقا من غير تقييد وأنزل قوله تعالى أحاط بكل شئ علما وهو على كل شئ قدير فعال لما يريد وهو السميع البصير والله لا إله إلا هو الحي القيوم وأجره حتى يسمع كلام الله وهو بكل شئ عليم وهذا كله في حق من قيده بصفات الكمال وأنزل تعالى من الشرائع قوله الرحمن على العرش استوى وهو معكم أينما كنتم وهو الله في السماوات وفي الأرض وتجري بأعيننا ولو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا فعمت الشرائع ما تطلبه أمزجة العالم ولا يخلوا المعتقد من أحد هذه الأقسام والكامل المزاج هو
(٢١٩)