ذلك إلا بتعريف الله إيانا بما يعطيه في قلوبنا من علوم الإلهام أو بما يبلغنا من ذلك في الكتب المنزلة والإخبارات النبوية وأما طريق آخر غير ذلك فما هو ثم فالسنن الدلالات العقلية لأنها طرق والفرائض هي التعريفات الشرعية بما هو الحق تعالى عليه بالنسبة إليه وبالنسبة إلى خلقه فاعبدوا الله عباد الله على النعت الذي وصف به نفسه في كتابه أو على لسان ألسنة رسله من غير زيادة ولا نقصان ولا تأويل يؤدي إلى تطفيف أو رجحان بل سلم إليه جل جلاله ما وصف به نفسه وإن استحال أو تناقض فذلك لقصورنا وجهلنا بما هو الأمر عليه وقد وفينا ما أعطته القوة العقلية النظرية من العلم في وجوده وبصدق المبلغين عنه تعالى ما أنزله على عبيده قلنا القبول من غير اعتراض ولو تناقض الأمر واستحال فما هو للعقل مجهول بالذات كيف يدخله فيما يرجع إلى ذاته في وجوب أو جواز أو استحالة فلا يتعدى العقل حده ويسلم إليه سبحانه ما أنزله وعرفنا به مما هو عليه فإن الله يقول الحق وهو يهدي السبيل فلنا الايمان به وبما جاء من عنده على علمه في ذلك في كتاب وعلى لسان رسول والله يوفقنا للوقوف عند ذلك فإنه لا يهلك على الله إلا هالك انتهى الجزء الخامس والتسعون (بسم الله الرحمن الرحيم) (الباب الحادي والتسعون في معرفة الورع وأسراره) ورع الطريقة في اجتناب محارم * مهما أتتك وما له وجهان فإذا أتاك مخلصا لجلاله * وتركته ورعا فمن نقصان لما جهلت الأمر قلت بعكسه * وتبين النقصان في الايمان الورع الاجتناب وهو في الشرع اجتناب الحرام والشبه لا اجتناب الحلال قال ص دع ما يريبك إلى ما لا يريبك في هذا الباب وهذا عين ما قلناه وهذا الحديث من جوامع الكلم وفصل الخطاب وقال بعضهم ما رأيت أسهل علي من الورع كل ما حاك له شئ في نفسي تركته عملا بهذا الحديث فأما الحرام النص فمأمور باجتنابه لأنه ممنوع تناوله في حق من منع منه لا في عين الممنوع فإن ذلك الممنوع بعينه قد أبيح لغيره لكون ذلك الغير على صفة ليست فيمن منع منه أباحته له تلك الصفة بإباحة الشارع فلهذا قلنا لا في عين الممنوع فإنه ما حرم شئ لعينه جملة واحدة ولهذا قال تعالى إلا ما اضطررتم إليه فعلمنا أن الحكم بالمنع وغيره مبناه على حال المكلف وفي مواضع على اسم الممنوع فإن تغير الاسم لتغير قام بالمحرم تغير الحكم على المكلف في تناوله إما بجهة الإباحة أو الوجوب وكذلك إن تغير حال المكلف الذي خوطب بالمنع من ذلك الشئ واجتنابه لأجل تلك الحال فإنه يرتفع عنه هذا الحكم ولا بد وإذا كان الأمر على هذا الحد فما ثم عين محرمة لعينها وأما اجتناب الشبهة فالشبهة هي التي لها وجه إلى الحرام ووجه إلى الحل على السواء من غير تغليب فليس اجتنابها بأولى من تناولها ولا تناولها بأولى من اجتنابها فالورع يترك تناولها ترجيحا لجانب الحرمة في ذلك وغير الورع لا يترك ذلك فبينهما هذا القدر وأما ترك ما لا شبهة فيه فذلك الحلال المحض فإن تركه أعني ترك الفضل منه لأنه لا يصح إلا ترك الفضل منه فذلك الترك زهد لا ورع فإن الزهد في الحرام والشبهة ورع والترك في الحلال الفاضل زهد وأما غير الفاضل وهو الذي تدعو إليه الحاجة فالزهد فيه معصية وما بقي إلا توقيت الحاجة إلى ذلك وما حد الفاضل منه الذي يصح فيه الزهد فنذكر ذلك في باب الزهد إن شاء الله والورع من المقامات المشروطة ويستصحب العبد ما دام مكلفا ولا يتعين استعماله إلا عند وجود شرطه وهو عام في جميع تصرفات المكلف ما هو مخصوص بشئ من أعماله دون شئ بل له السريان في جميع الأعضاء المكلفة في حركاتها وسكونها وما ينسب إليها من عمل وترك وقد قيل إن للورع حكما في الأسرار والأرواح وليس ذلك بصحيح في الورع المشروع فإن الشبهة في المعاني والمعارف والأسرار مستحيلة عند العارفين وإنما تكون الشبهات في العلوم النظرية الحاصلة بالأدلة العقلية فأولئك يجب عليهم الورع في النظر الفكري حتى يخلصوه من النظر المحرم كالنظر في الذات الإلهية ويخلصوه من الشبهة كالنظر لله أو للسمعة فيخفي على بعض
(١٧٥)