الدار الآخرة كؤوس كثيرة على عدد الشاربين منه وأن الماء في الإناء على صورة الإناء شكلا ولونا علمنا قطعا إن العلم بالله سبحانه على قدر نظرك واستعدادك وما أنت عليه في نفسك فما اجتمع اثنان قط على علم واحد في الله من جميع الجهات لأنه ما اجتمع في اثنين قط مزاج واحد ولا يصح لأنه لا بد في الاثنين مما يقع به الامتياز لثبوت عين كل واحد ولو لم يكن كذلك لم يصح أن يكونا اثنين فما عرف أحد من الحق سوى نفسه فإذا عامل من تجلى له بما عامله به وقد ثبت أن عمله يعود عليه لن ينال الله من ذلك شئ قال صلى الله عليه وسلم إنما هي أعمالكم ترد عليكم فيكسوكم الحق من أعمالكم حللا على قدر ما حصنتموها واعتنيتم بأصولها فمن لابس حريرا ومن لابس مشاقة كتان وقطن وما بينهما فلا تلم إلا نفسك ولا تلم الحائك فما حاك لك إلا غزلك فإن قلت كيف تقول لن ينال الله من ذلك شئ وقد قال سبحانه يناله التقوى منكم فلتعلم إن المراد بإثبات النيل هنا وعدم النيل في جانب الحق إن الله سبحانه ما يناله شئ من أعمال الخلق مما كلفهم العمل فيه نيل افتقار إليه وتزين به ليحصل له لذلك حالة لم يكن عليها ولكن يناله التقوى وهو أن تتخذوه وقاية مما أمركم أن تتقوه به على درجات التقوى ومنازله فقد قال اتقوا النار واتقوا الله وقوا أنفسكم وأهليكم فمعنى يناله التقوى أنه يتناولها منك ليلبسك إياها بيده تشريفا لك حيث خلع عليك بغير واسطة إذ لبسها غير المتقي من غير يد الحق وسواء كانت الخلعة من رفيع الثياب أو دنيئها فذلك راجع إليك فإنه ما ينال منك إلا ما أعطيته وإن جمع ذلك التقوى فإنه لا يأخذ شيئا سبحانه من غير المتقي فلهذا وصف نفسه بأن التقوى تناله من العباد وإنما وصف الحق سبحانه بأن التقوى تصيبه واللحوم والدماء لا تصيبه لما كانت الإصابة بحكم الاتفاق لا بحكم القصد أضاف النيل إلى المخلوق لأنه يتعالى أن يعلم فيقصد من حيث يعلم ولكن إنما يصاب بحكم الاتفاق مصادفة والحق منزه أن يعلم الأشياء بحكم الإصابة فيكون علمه للأشياء اتفاقا فإذا ناله التقوى من المتقي وخدم بين يديه وجعل ذاته بين يديه مستسلما لما يفعله فيه فيخلع سبحانه عند ذلك من العلم على المتقي ومن شأن هذا العلم أن يحصل من الله تعالى للعبد بكل وجه من وجوه العطاء حتى يأخذ كل آخذ منه بنصيب فمنهم من يأخذه من يد الكرم ومنهم من يأخذه من يد الجود ومنهم من يأخذه من يد السخاء ومنهم من يأخذه من يد المنة والطول إلا الإيثار فإنه ليس له يد في هذه الحضرة الإلهية إذ كان لا يعطي عن حاجة لكن الأسماء الإلهية لما كانت تريد ظهور أعيانها في وجود الكون وأحكامها يتخيل أن إعطاءها من حاجة إلى الأخذ عنها فتتنسم من هذا رائحة الإيثار وليس بصحيح وإنما وقع في ذلك طائفة قد أعمى الله بصيرتهم ولذلك العارفون اتصفوا بأصناف العطاء في التخلق بالأسماء لا بالإيثار فإنهم في ذلك أمناء لا يؤثرون إذ لا يتصور الإيثار الحقيقي لا المجازي عندهم والعارف لا يقول أعطيتكم وإنما يقول أعطيتك لأنه لا يشترك اثنان في عطاء قط فلهذا يفرد ولا يجمع فالجمع في ذلك توسع في الخطاب والحقيقة ما ذكرناه وللكلام في هذا المنزل مجال رحب لا يسعه الوقت والله يقول الحق وهو يهدي السبيل منازل الحوض وأسراره * مراتب العلم وأنواره وهو من العلم الذي لم يزل * صفاؤه شيب بأكداره محله الطبع الذي رتقه * يلحقه القعر بإغباره (الباب السابع والسبعون ومائتان في معرفة منزل التكذيب والبخل وأسراره من المقام الموسوي) العلم علمان علم الدين في الصور * الظاهرات من الأرواح في البشر وعلم حق بتحقيق يؤيده * ما أودع الله في الآيات والسور من كل ناظرة بالعين ناضرة * فاللام ناظرة بالفاء في خبر هذي منازل أنوار سباعية * الخمس تخنس دون الشمس والقمر منها ليظهر ما في الغيب من عجب * فكل منزلة تسعى على قدر إن الصفات التي جاء الكتاب بها * تقدست على مجال العقل والفكر وكيف يدرك من لا شئ يشبهه * من يأخذ العلم عن حس وعن نظر
(٥٩٨)