العموم يمحوها الله عن الخصوص فمنهم من تمحى عن ظاهره ومنهم من تمحى عن باطنه وتبقي عليه أوصاف العادة وهو الكامل مع كونه صاحب محو كما أنه يكون المسخ في القلوب وهو اليوم كثير (وكان في بني إسرائيل) ظاهرا بالصورة فمسخهم الله قردة وخنازير وجعل ذلك في هذه الأمة في باطنها تمييزا لها ولكن لا تقوم الساعة حتى يظهر في صورها شئ من ذلك مع خسف وقذف كذا ورد الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن العادة الركون إلى الأسباب والعلل فصاحب المحو يزول عنه الركون إلى الأسباب لا الأسباب فإن الله لا يعطل حكم الحكمة في الأشياء والأسباب حجب إلهية موضوعة لا ترفع أعظمها حجابا عينك فعينك سبب وجود المعرفة بالله تعالى إذ لا يصح لها وجود إلا في عينك ومن المحال رفعك مع إرادة الله أن يعرف فيمحوك عنك فلا تقف معك مع وجود عينك وظهور الحكم منه كما محا الله رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم رميه مع وجود الرمي منه فقال وما رميت فمحاه إذ رميت فأثبت السبب ولكن الله رمى وما رمى إلا بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الصحيح كنت سمعه وبصره ويده فإزالة العلة في المحو إنما هي في الحكم لا في العين إذ لو زالت العلة والسبب لزال وهو لا يزول فمن الحكمة إبقاء الأسباب مع محو العبد من الركون إليها على حكم نفي أثرها في المسببات فالأسباب ستور وحجب ولا يكون محو أبدا إلا فيما له أثر وإلا فليس بمحو والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثالث والخمسون ومائتان في معرفة الإثبات وهو أحكام العادات وإثبات المواصلات) إلى حضرة الإثبات أعملت همتي * من المحو لما أن دعاني إمامها فلما أتينا حضرة لم نزل بها * بهاد وحاد خلفها وأمامها إلى أن تراءت بين سلع وحاجر * وقد ساقها شوقا إلى غرامها الإثبات هو الأمر المقرر الذي عليه جميع العالم فمن طلب من غير نبي أو مشد لنبي رفع حكم العوائد فقد أساء الأدب وجهل وأما هذا الذي يسمونه خرق عادة هو عادة إذ كان ثبوت خرق العادة عادة فما محوت العادات إلا بإثباتها غير أن صاحب الإثبات لا بد أن تكون له وصلة بالحق ولهذا يثبت أحكام العادات فإن صاحبه وضعها ومن شرط الصحبة الموافقة فكيف يصحبه ويكون مواصلا له ويحكم عليه بإزالة ما يرى الحكمة في ثبوته ولا سيما وقد علم صاحب هذا المقام أن الله حكيم عليم بما يجريه ويثبته فيثبت ما أثبته صاحبه وإن لم يفعل وطلب غير ذلك فهو منازع ومن نازعك فما هو بصاحب لك ولا أنت بصاحب له إن نازعته وكان إلى العناد أقرب فصاحب الإثبات دائم المواصلة مع الحق فإنه يثبت أحكام العادات لأنه يشهده فيها فلا يمكن له مع هذا أن يطلب رفع أحكامها ولا محوها فهذا مقام الإثبات على غاية الإيجاز والبيان والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الرابع والخمسون ومائتان في معرفة الستر وهو ما سترك عما يفنيك) والله ما تسدل الأستار والكلل * إلا من أجل الذي تحظى به المقل وقد يكون حذارا من تأملها * أو للذي يقتضيه الطبع والملل إذا نظرت الذي يحويه من عبر * أساسا لها قامت الأغراض والملل لولا الستور التي تخفى ضنائنها * لم يدر ما كان لي أفيها ولا أمل والله ما ترسل الأستار والكلل * إلا لأمر عظيم خطبه جلل الستر غطاء الكون والوقوف مع العادات ونتائج الأعمال وقد أعلمناك أن الأسباب حجب إلهية لا يصح رفعها إلا بها فعين رفعها سد لها وحقيقة محوها إثباتها والستر رحمة عامة إلهية في حق العامة لما قدر عليهم من المخالفة لأوامره فلا بد لهم من إيقاعها ومع الكشف والتجلي فلا تقع أبدا فلا بد من الستر ولهذا أهل التجلي العلمي رفع عنهم الحجر فلم يبق في حقهم تحجير بل أبيح لهم ما شاؤه في تصرفهم فإنه ورد في صحيح الخبر أن الله يقول لمن أذنب فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت فقد غفرت لك فأباح لمن هذه صفته ما حجره على غيره ومن المحال أن
(٥٥٣)