إني مسني الضر والتعليم بالسؤال في أن لا يقع منه في المستقبل ما لم يقع في الحال بقوله قالوا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ويتعلق به من سوء الأدب مقاومة القهر الإلهي ومقاومة العبد السيد في أمر ما من سفساف الأخلاق إذ ليس ذلك من صفات العبودة فيستعين العبد إذا كان ضعيفا بأخيه المؤمن في ذلك ويجب على الآخر معونته بالتعليم والتعزية فإن المؤمن كثير بأخيه وإذا انفرد الإنسان بهمه عظم عليه وإذا وجد من يلقيه إليه ليقاسمه فيه ويستريح عليه ويخف عنه فأعانه الآخر يحسن الإصغاء إليه فيما يلقى إليه من همه وجوابه إياه بما يسره في ذلك ومشاركته بإظهار التألم لما ناله فذلك الصديق الصادق المعين كما قيل صديقي من يقاسمني همومي * ويرمي بالعداوة من رماني وقال الآخر إذا الحمل الثقيل تقسمته * رقاب الخلق خف على الرقاب فهذا قد بينا لك بعض ما يحويه هذا المنزل بالإجمال لا بالتفصيل مخافة التطويل فما تركنا منه شيئا ولا أعلمناك منه بشئ وهكذا فعلنا في كل منزل إن شاء الله تعالى والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثاني والثمانون ومائتان في معرفة منزل تزاور الموتى وأسراره من الحضرة الموسوية) إذا جهلت أرواحنا علم ذاتها * فذلك موت والجسوم قبور وإن علمت فالحشر فيها محقق * وكان لها من أجل ذاك نشور فما العلم إلا بين نور وظلمة * وكل كلام دون ذلك زور اعلم أن الموت عبارة عن مفارقة الروح الجسد الذي كانت به حياته الحسية وهو طارئ عليهما بعد ما كانا موصوفين بالاجتماع الذي هو علة الحياة فكذلك موت النفس بعدم العلم فإن قلت إن العلم بالله طارئ الذي هو حياة النفوس والجهل ثابت لها قبل وجود العلم فكيف يوصف الجاهل بالموت وما تقدمه علم قلنا إن العلم بالله سبق إلى نفس كل إنسان في الأخذ الميثاقي حين أشهدهم على أنفسهم فلما عمرت الأنفس الأجسام الطبيعية في الدنيا فارقها العلم بتوحيد الله فبقيت النفوس ميتة بالجهل بتوحيد الله ثم بعد ذلك أحيا الله بعض النفوس بالعلم بتوحيد الله وأحياها كلها بالعلم بوجود الله إذ كان من ضرورة العقل العلم بوجود الله فلهذا سميناه ميتا قال تعالى أو من كان ميتا يعني بما كان الله قد قبض منه روح العلم بالله فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس فرد إليه علمه فحيي به كما ترد الأرواح إلى أجسامها في الدار الآخرة يوم البعث وقوله كمن مثله في الظلمات يريد مقابلة النور الذي يمشي به في الناس وما هو عين الحياة فالحياة الإقرار بالوجود أي بوجود الله والنور المجعول العلم بتوحيد الله والظلمات الجهل بتوحيد الله والموت الجهل بوجود الله ولهذا لم يذكر الله في الآية عنا في الأخذ الميثاقي إلا الإقرار بوجود الله لا بتوحيده ما تعرض للتوحيد فيها فقال ألست بربكم فقالوا بلي فأقروا له بالربوبية أي أنه سيدهم وقد يكون العبد مملوكا لاثنين بحكم الشركة فأي سيد قال له ألست بربك فلا بد أن يقول العبد بلي ويصدق فلهذا قلنا إن الإقرار إنما كان بوجود الله ربا له أي مالكا وسيدا ولهذا أردف الله في الآية حين قال فأحييناه فلم يكتف حتى قال وجعلنا له نورا يمشي به في الناس يريد العلم بتوحيد الله لا غيره فإنه العلم الذي يقع به الشرف له والسعادة وما عدا هذا لا يقوم مقامه في هذه المنزلة فتأمل ما قلناه فقد علمت أن ورود الموت على النفوس إنما كان عن حياة سابقة إذ الموت لا يرد إلا على حي والتفرق لا يكون إلا عن اجتماع وبعد أن علمت هذا فاعلم أنه من خصائص هذا المنزل أن علم الواحد بالكثرة يوجب له الجهل بنفسه لأن الكثرة مشهودة له وذلك أن الروح لا يعقل نفسه إلا مع هذا الجسم محل الكم والكثرة ولم يشهد نفسه قط وحده مع كونه في نفسه غير منقسم ولا يعرف إنسانيته إلا بوجود الجسم معه ولهذا إذا سئل عن حده وحقيقته يقول جسم متغذ حساس ناطق هذا هو حقيقة الإنسان وحده الذاتي النفسي فيأخذ أبدا في حده إذا سئل عنه من كونه إنسانا هذه الكثرة فلا يعقل أحديته في ذاته وإنما يعقل أحدية الجنس لا الأحدية الحقيقية والذي يحصل له بالاكتساب أنه واحد في عينه علم دليل فكري لا علم ذوق شهودي كشفي وكذلك العلم بالله إنما متعلقة العلم بتوحيد الألوهة لمسمى الله لا توحيد الذات
(٦١٨)