إذا صادفت محلها ذلك الطرب أو الأثر الذي يجده السامع في نفسه فسلطانها قوي وذلك لقوة أصلها الذي تستند إليه فإن الأسماء الإلهية وإن كانت لعين واحدة فمعلوم عند أهل الله ما بينها من التفاوت ولما كان التفاوت معقولا فيها وعلم ذلك بآثارها علمنا أن الحقائق الإلهية التي استندت إليها هذه النغمات أقوى من الذي استند إليه الكلام فإنا نسمع قارئا يقرأ أو منشدا ينشد شعرا فلا نجد في نفوسنا حركة لذلك بل ربما نتبرم من ذلك في أوقات لأنه جاء على غير الوزن الطبيعي فإذا سمعنا تلك الآية أو الشعر من صاحب نغمة وفي حقها في الميزان أصابنا وجد وحركنا ووجدنا ما لم نكن نجد فلهذا فرقنا بين ما استندت إليه النغمات الطبيعية وبين ما استند إليه القول هذا ميزان المحسوس وأما ميزان العقل فينظر حكمة الترتيب الإلهي في العالم فإن كان من أهل السماع الإلهي فينظر ترتيب الأسماء الإلهية فيكون سماعه من هناك وإن كان من أهل السماع الروحاني فينظر ترتيب آثارها في العالم الأعلى والأسفل فيجد في كل مسموع فإن المسموعات كلها نغم عنده فمنهم من تكون له حركة محسوسة ومنهم من لا تكون له وأما الحركة الروحانية فلا بد منها ولله طائفة خرجت عن الحركات الروحانية إلى الحركات الإلهية وهو قول الجنيد وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ولكن في الحال التي تحسيها جامدة فتنسب الحركة إلى هذا الشخص نسبتها إلى الجناب الأقدس في فرحه بتوبة عبده وتبشبشه لمن أتى بيته فهذه أحوال إلهية يجب الايمان بها ولا يعقل لها كيفية إلا من خصه الله بها وكانت حركته في سماعه إلهية وهي من العلوم التي تنال ولا تنقال وليس الخير بالنزول إلى السماء الدنيا كل ليلة يشبه هذا الفرح ولا التبشبش لأن هذا الفرح عن سبب كوني ظهر وجوده سمع الحق عليه والنزول إلى السماء الدنيا عن أمر يتوقع لا عن أمر واقع فالأول يلحق بباب السماع والثاني لا يلحق به فاعلم ذلك وقد ربطنا السماع بما يجب له وحققناه ولم نترك منه فصلا ولا قسما إلا ذكرناه بأوجز عبارة ليوقف عنده وحكاياته كثيرة لا يحتاج إلى إيرادها فإن كتابنا هذا مبناه على تحقيق أصول الأمور لا على الحكايات فإن الكتب بها مشحونة والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثالث والثمانون ومائة في معرفة مقام ترك السماع) الله الله لا عقل يصوره * والوهم يعبده في صورة البشر فالشرع يطلقه وقتا ويحصره * والكون يثبته في سائر الصور ترك السماع مقام ليس يدركه * إلا القوي من الأقوام في الخبر إن قال كن فلمن والعين واحدة * ولم يكن غيره في العين والأثر فما لكن عند هذا القول من أثر * بل عين كن لم تكن إن كنت ذا نظر ولم يقل بسماع القول غير فتى * متيم بمعاني الآي والصور لولا الكلام لما كان السماع وقد * جاء الكلام فكن منه على حذر السماع المطلق لا يمكن تركه والذي يتركه الأكابر إنما هو السماع المقيد المتعارف وهو الغناء قيل لسيدنا أبي السعود ابن الشبلي البغدادي ما تقول في السماع فقال هو على المبتدئ حرام والمنتهي لا يحتاج إليه فقيل له فلمن فقال لقوم متوسطين أصحاب قلوب وجاءت امرأة إلى رسول الله ص فقالت يا رسول الله إني نذرت أن أضرب بين يديك بالدف فقال لها إن كنت نذرت وإلا فلا فهو وإن كان مباحا فالتنزيه عنه عند الأكابر أولى وكان أبو يزيد البسطامي يكرهه ولا يقول به وقيل لابن جريج فيه فقال ليتني أخرج منه رأسا برأس لا علي ولا لي وأما مذهبنا فيه فإن الرجل المتمكن من نفسه لا يستدعيه وإذا حضر لا يخرج بسببه وهو عندنا مباح على الإطلاق لأنه لم يثبت في تحريمه شئ عن رسول الله ص فإن كان الرجل ممن لا يجد قلبه مع ربه إلا فيه فواجب عليه تركه أصلا فإنه مكر إلهي خفي ثم إن كان يجد قلبه فيه وفي غيره وعلى كل حال ولكنه يجده في النغمات أكثر فحرام عليه حضوره ولا أعني بالنغمات المسموعة في الشعر فقط وإنما أعني بوجود النغمة في الشعر وفي غيره حتى في القرآن إذا وجد قلبه فيه لحسن صوت القارئ ولا يجد قلبه فيه عند ما يسمعه من قارئ غير طيب الصوت فلا يعول على ذلك الوجد
(٣٦٨)