عندهم ولهذا أهل النهاية من العارفين يحنون إلى البداية لأجل هذا اللذة فإنهم لا يجدونها في النهاية فإنهم أهل تمييز متحققون بالحق فهم أهل عضب ورضي فيحنون إلى البداية لأجل ما فيها من الالتذاذ وكلما كمل الرجل أعطاه الله التمييز في الأمور وحققه بالحقائق إذ الموطن يعطي ذلك فلو كان مزاج الدنيا على مزاج الجنة لم يعط إلا نعيما مجردا أو على مزاج النار لم يعط إلا ألما فلما كان ممتزجا وقتا هكذا ووقتا هكذا كان العارفون بحسب الموطن وإذا علمت هذا فاعلم أنه يكون أيضا من أحوال المراد رفع التمني والطمع والإخلاص من نفسه مع المبالغة في الأعمال فيشاهدها من حيث ما هو محل لجريانها ويجعلها من جملة الأقدار الجارية عليه وذلك لفنائه عما ينسب إليه من الحول والقوة فليس له مقام ولا يحكم عليه حال فإنه لا يرى المقام ولا الحال لنظره إلى رب المقام والحال بعين رب المقام والحال متفرج في جريان الأقدار عليه وظهورها فيه وهو مع نفسه كأنه لا داخل فيها ولا خارج عنها (وصل) وأما كون هذا الشخص سمي مرادا ليس معناه أنه مراد لما أريد به وإنما معناه أنه محبوب فإن المحبوب لا يكون معذبا بشئ فلا بد أن يحول المحب بين ما يؤلم محبوبه وبين محبوبه وإن لم يفعل ذلك فليس بمحب ولا ذلك محبوبا وكذا وقع أن الله ما ابتلى من ابتلى من عباده المحبوبين عنده من كونهم محبوبين وإنما رزقهم من جملة ما رزقهم أن جعلهم محبين له فلما ادعوا محبته ابتلاهم من كونهم محبين لا من كونهم محبوبين فافهم فالمحبوب له الإدلال والمحب له الخضوع فالمراد هو المحبوب فلا يذوق بلاء وأما المراد الذي يكون مرادا لما أريد به فإنه لا بد أن يرزق الإرادة لما أريد به فلا يقع له إلا ما هو مراد له وقد ذكرناه وما كل مراد لما أريد به يكون له إرادة فيما أريد به فمن يكون له إرادة ذلك فهو المراد المصطلح عليه في هذا الطريق فالمراد لما أريد به هو حال يعم الخلق أجمعه ما فيه اختصاص ومن يكون له إرادة فيما أريد به فذلك خصوص وهو المطلوب بهذه اللفظة وهذا الاسم في هذا الطريق عند أهل الله فيكون مرادا مريدا والله يقول الحق وهو يهدي السبيل فإن الكلام في باب الإرادة والمراد والمريد يطول (الباب الثامن والعشرون ومائتان في حال المريد) فاعلم يا ولي وفقك الله أنه ليس المريد الذي قامت إرادته * به ولكنه من ينقضي غرضه فإن أراد أمورا ليس يدركها * فإن حاكمه في صرفه مرضه وليس إذ ذاك من أهل الطريق ولا * في حكمه جوهر في الكون أو عرضه لفظة المريد عند المحققين من أهل الله تطلق بإزاء المنقطع إلى الله المؤثر جناب الله الساعي في محاب الله ومراضيه وقد يطلقونها بإزاء المتجرد عن إرادته وأعظم مراتب المريد عندهم وعندنا إن يكون نافذ الإرادة لا عن كشف فإن كان عن كشف فليس بمريد وإنما هو عالم بما يكون كما أنه ليس من شرط المراد أن تكون له إرادة فيما يقع في الوجود به وبغيره أن يكون ما يقع مشهودا له في إرادته فيريده قبل وقوعه بل قد لا يكون ذلك وليس بشرط وإنما حاله إن الأمر إذا وقع في الوجود يرضى به ويلتذ بوقوعه ولا يرده بخاطره ولا يكرهه فاعلم أنه من أعلمه الله مراده فيما يكون عناية منه فإنه مطلوب بالتأهب لذلك ولا سيما فيما يقع به لا بغيره فيتلقاه بالصفة التي يطلبها ذلك الواقع شرعا من رضي أو صبر أو شكر فإن كان مع هذا الإعلام يكون مريدا لذلك فتلك إرادة موافقة ويكون مريدا لقيام الإرادة به لا لنفوذ إرادته فإنه لا ينبغي في الطريق أن يسمى مريدا إلا من تنفذ إرادته وهو الله أو من أعطاه الله ذلك من خلقه وما سمعنا إنه نال هذا المقام أحد من خلق الله فإنه قد صح عندنا كشفا ونقلا إنه لا مقام أعلى من مقام محمد صلى الله عليه وسلم ومع هذا قد سأل الله في أشياء منها أن لا يجعل الله بأس أمته بينها فلم يقبل سؤاله في ذلك قال صلى الله عليه وسلم فمنعنيها فإذا لم يكمل مقام نفوذ الإرادة له صلى الله عليه وسلم فكيف يناله غيره فإنه ممن انفرد الله به فمن أطلعه الله على مراداته فما أراد إلا ما يقع فيظهر نفوذ إرادته وما يعلم الناس ما هو مشهوده الذي أشهده الحق فهم يتخيلون أن ذلك المراد الواقع من أثر همته وليس
(٥٢٥)