الممكنات التي لا قيام لها إلا بالله فينبغي إن لا يترك شئ منها لارتباط كل شئ منها بحقيقة إلهية هي تحفظه وقد ثبت أن الممكنات لا تتناهى فالحقائق والنسب الإلهية لا نهاية لها ولا يصح أن يكون في الإلهيات تفاضل لأن الشئ لا يفضل نفسه ولا مفاضلة في هذه الأعيان إلا بما تنتسب إليه لأنه لا فضل لها من ذاتها ولا مفاضلة هناك فلا مفاضلة هنا فكما هو الأول هو الآخر كذلك العقل الأول الجماد وكما هو الظاهر هو الباطن كذلك عالم الغيب والشهادة فما ثم تافه ولا حقير فإن الكل شعائر الله ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى زمان نظركم في نفوسكم بها والأجل المسمى هو أن يكشف لكم عنكم إنكم ما هم أنتم إذ من حقيقته عدم الوجود فالوجود له معار فإذا تبين لكم إنكم ما هم أنتم وهو الأجل المسمى كان محلها وهو محلها إلى البيت العتيق وهو القديم الذي لا يقبل الحدوث فرأيتم إن الصفة تطلب موصوفها فزلتم أنتم من كونكم شعائر الله وصار الحق دليلا على نفسه إذ كان من المحال أن يدل شئ على شئ دلالة علم محقق فلا أدل من الشئ على نفسه ولهذا إذا حددت الأمر الظاهر ترده غامضا ولهذا لا تطلب حدود الأمور الظاهرة كمن يطلب حد النهار وهو فيه وهو أوضح الأشياء لا يقدر أن يجهله وإذا كان الأمر كما ذكرنا فلا يستحي فلا حياء ولا حكم له بل يضرب الأمثال ويقيم الأشكال ويعلم لمن يخاطب ومن يفهم عنه ممن لا يفهم ولكل فهم فلو وجد عند السامع ما هو أخفى من البعوضة لجاء بها كما قد جاء بذلك مجملا بقوله فما فوقها فأمرك وعلمك في هذه الآية أن لا تترك شيئا إلا وتنسبه إلى الله ولا يمنعك حقارة ذلك الشئ ولا ما تعلق به من الذم عرفا وشرعا في عقدك ثم تقف عند الإطلاق فلا تطلق ما في العقد على كل شئ ولا في كل حال وقف عند ما قال لك الشارع قف عنده فإن ذلك هو الأدب الإلهي الذي جاء به الشرع والأدب جماع الخير وفي إيراد الألفاظ يستعمل الحياء لأنك تترك بعضها كما أمرت وفي العقد لا تترك شيئا لا تنسبه إلى الله وهو مقام ترك الحياء فعامل الله تعالى بحسب المواطن كما رسم لك ولا تنازع وقل رب زدني علما فإنك إذا قلت ذلك لم تزل في مزيد جانيا ثمرة الوجوب (الباب الأربعون ومائة في معرفة مقام الحرية وأسراره وهو باب خطر) عبد الهوى آبق عن ملك مولاه * وليس يخرج عنه فهو تياه الحر من ملك الأكوان أجمعها * وليس يملكه مال ولا جاه فإن تعرض للتكوين أبطل * ما قد كان أصله من ملك مولاه اعلم وفقك الله أن الحرية مقام ذاتي لا إلهي ولا يتخلص للعبد مطلقا فإنه عبد لله عبودية لا تقبل العتق وأحلناها في حق الحق من كونه إلها لارتباطه بالمألوه ارتباط السيادة بوجود العبد والمالك بالملك والملك بالملك انظر في قوله إن يشأ يذهبكم ويأت بقوم آخرين فنبه بإتيان قوم آخرين على هذا الارتباط فإنه يلزم من حقيقة الإضافة عقلا ووجودا تصور المتضايفين فلا حرية مع الإضافة والربوبية والألوهية إضافة ولما لم يكن بين الحق والخلق مناسبة ولا إضافة بل هو الغني عن العالمين وذلك لا يكون لذات موجودة إلا لذات الحق فلا يربطها كون ولا تدركها عين ولا يحيط بها حد ولا يفيدها برهان وجدانها في العقل ضروري كما إن نفي صفات التعلق التي تدخلها تحت التقييد نظري فإذا أراد العبد التحقق بهذا المقام فإنه مقام تحقق لا مقام تخلق ونظر أنه لا يصح له ذلك إلا بزوال الافتقار الذي يصحبه لإمكانه ويرى أن الغيرة الإلهية تقتضي أن لا يتصف بالوجود إلا الله لما يقتضيه الوجود من الدعوى فعلم بهذا النظر أن نسبة الوجود إلى الممكن محال لأن الغيرة حد مانع من ذلك فنظر إلى عينه فإذا هو معدوم لا وجود له وأن العدم له وصف نفسي فلم يخطر له الوجود بخاطر فزال الافتقار وبقي حرا في عدميته حرية الذات في وجودها ثم إنه أراد أن يعرف ما يناسب الأسماء الإلهية التي لهذه الذات من ذات الممكن المعدوم فرأى إن كل عين من عيون الممكنات على استعداد لا يكون في غيره ليقع التمييز بين الأعيان فما وقع بين ذات الممكن وذات الحق بالوجود للحق الواجب والعدم للممكن الواجب فجعل هذه الاستعدادات له بمنزلة الأسماء للحق والوجود في أعيان الممكنات لله تعالى فإذا ظهر في عين من أعيان الممكنات لنفسه باسم ما من الأسماء الإلهية أعطاه استعداد تلك العين اسما حادثا تسمى
(٢٢٦)