(الباب الخامس والتسعون في معرفة أسرار الجود وأصناف الإعطاءات مثل الكرم والسخاء والإيثار على الخصاصة وعلى غير الخصاصة والصدقة والصلة والهدية والهبة وطلب العوض وتركه) رتب العطاء كثيرة لا تحصر * وبها على أعدائنا نستنصر بالجود صح وجودنا في عيننا * بل نحن منه على الحقيقة مظهر (فصل الجود) عن الجود صدر الوجود والجود بفتح الجيم المطر الكثير وهو مقلوب وجد مثل جذب وجبذ فحروفهما واحدة بالاشتراك في المعنى فمتعلق الجود من الحق في الأعيان التي هي المظاهر ظهوره فيها ومتعلق الجود من المظاهر على الظاهر ما جادت به عليه باستعدادها الذاتي من الثناء بالأسماء الإلهية التي كسبه جودها من وجودها فالجود من الحق امتنان ذاتي والجود من الأعيان ذاتي لا امتناني فهذا الفرق بين الجودين وهذا معنى قولهم في الجود إنه العطاء قبل السؤال (فصل) الكرم وأما عطاء الكرم فهو العطاء بعد السؤال وهو على نوعين سؤال بالحال وسؤال بالمقال فسؤال الحال عن كشف من الطرفين وسؤال المقال من العبد معلوم يا رب يا رب أعطني اغفر لي ارحمني اهدني ارزقني اجبرني عاقني اعف عني لا تخزني لا تفتني وأمثال ذلك وسؤال الحق ادعوني أقم الصلاة لذكري أقيموا الوزن بالقسط لا تخسروا الميزان لا تكونن من الجاهلين وكل طلب تصور من الحق يطلبه من عباده وهي الفرائض كلها فمن الكرم تؤدي الفرائض ومن الجود تكون النوافل إلا لمثل رسول الله ص فإنها من الجود فهي تلحق بالفرائض وكون ذلك نافلة أخبار صادق قال تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (فصل) السخاء ورد في حديث أبي بكر النقاش في مواقف القيامة اسم السخي على الله وهو مذكور في هذا الكتاب في باب الجنة منه وأما عطاء السخاء فهو العطاء على قدر الحاجة وذلك عطاء الحكمة فهو من اسمه الحكيم فسخاء الحق قول موسى ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه وكل شئ عنده بمقدار ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء وما ننزل إلا بقدر معلوم وأما سخاء العبد فإعطاؤه كل ذي حق حقه وإنصافه فلنفسه عليه حق ولأهله عليه حق ولعينه عليه حق ولزوره عليه حق (فصل) الإيثار أما الإيثار فليس للحق منه صفة إلا بوجه بعيد في ذكره سوء أدب بل ما هو حقيقة فتركه أولى وما ذهب إليه إلا من لا علم له ولا أدب من أهل الشطح فلنقل إن الإيثار قد يكون عطاء محتاج لمحتاج وقد يكون على الخصاصة ومع الخصاصة أو توهم الخصاصة وأما في جانب الحق فهو إعطاؤه الجوهر الوجود لخلق عرض من الأعراض لتعلق الإرادة بإيجاده لا بإيجاد المحل فيوجد المحل تبعا ضرورة إذ من شرط وجود العرض وجود المحل والجوهر محتاج فيما أعطاه الحق من خلق العرض فيه إذ لا يكون له وجود إلا بوجود عرض ما وسواء كان الجوهر متحيزا أو غير متحيز ومؤلفا مع غيره أو غير مؤلف فهذا عطاء على خصاصة مع خصاصة وأما على غير الخصاصة فهو اتصاف العبد في التخلق بالأسماء الإلهية واتصاف الحق في نزوله بأوصاف المحدثات وهذا كله واقع قد ظهر حكمه في الوجود وتبين (فصل) الصدقة فقد ذكرنا ذلك في باب الزكاة وهي ههنا تصدق الحق على العبد بإبقاء عينه في الوجود وبإيجاده أولا مع علمه بأنه إذا أوجده يدعي الألوهية ويقول أنا ربكم الأعلى ولا بد من إيجاده لما سبق في العلم والصدقة من العبد على الحق فإن العبد يجد في نفسه عزة الصورة ومع هذا يقر بالعبودة لعزة الله وأيضا هي ما يظهر من المحامد المحدثة التي لا تصح لله إلا بعد وجود المحدث وهو كل ما سوى الله وإنما سميت صدقة لأن العبد المختار في محامد الله في نفسه فإنه قال تعالى في حقه لما بين له السبيل إلى سعادته إما شاكرا وإما كفورا فإنه ذو اختيار في أفعاله ولهذا يصح منه القبول والرد ويعاقب ويثاب وعلى هذا قام أصل الجزاء من الله تعالى لعباده (فصل) عطاء الصلة وأما عطاء الصلة فهي لذوي الأرحام حقا وخلقا يقول تعالى الرحم شجنة من الرحمن من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله فنسبتها للحق نسبتها للعبد فالرحمن رحم لنا ونحن رحم للرحمن
(١٧٩)