آثار القدر وهي علامة على وجود الحق ولا دليل أدل على الشئ من نفسه فلم يعلم الحق بغيره بل علم بنفسه ونسبة الوجود إلى هذه الأعيان قد قلنا إن ذلك أثر القدر فنعلم القدر بأثره ونعلم الحق بوجوده وذلك لأن القدر نسبة مجهولة خاصة والحق وجود فيصح تعلق العلم بالحق ولا يصح تعلق العلم بالقدر فإن علمنا بظهور المظهر في العين هو عين علمنا بالحق والقدر مرتبة بين الذات وبين الحق من حيث ظهوره لا يعلم أصلا وحكمه في المظاهر حكم الزمان في عالم الأجسام فلهذا يطلقه أكثر المحققين على الأوقات المعقولة وقد أعلمناك أن الزمان نسبة معقولة غير موجودة ولا معدومة وهو في الكائنات فالوقت أعز مقاما في امتناع العلم به أو تصوره فلا ينال أبدا وقد كان العزيز رسول الله عليه السلام كثير السؤال عن القدر إلى أن قال له الحق تعالى يا عزيز لئن سألت عنه لأمحون اسمك من ديوان النبوة ويقرب منه السؤال عن علل الأشياء في تكويناتها فأفعال الحق لا ينبغي أن تعلل فإنه ما ثم علة موجبة لتكوين شئ إلا عين وجود الذات وقبول عين الممكن لظهور الوجود فالأزل لا يقبل السؤال عن العلل وإن ذلك لا يصدر إلا من جاهل بالله فالسبب الذي لأجله طوى علم القدر هو أن له نسبة إلى ذات الحق ونسبة إلى المقادير فعز أن يعلم عز الذات وعز أن يجهل لنسبة المقادير فهو المعلوم المجهول فأعطى التكليف في العالم فاشتغل العالم بما كلفوا ونهوا عن طلب العلم بالقدر ولا يعلم إلا بتقريب الحق وشهوده شهودا خاصا لعلم هذا المسمى قدرا فأولياء الله وعباده لا يطلبون علمه للنهي الوارد عن طلبه فمن عصى الله وطلبه من الله وهو لا يعلم بالنظر الفكري فلم يبق إلا أن يعلم بطريق الكشف الإلهي والحق لا يقرب من عصاه بمعصيته وطالب هذا العلم قد عصاه في طلبه فلا ينال من طريق الكشف وما ثم طريق آخر يعلم به علم القدر فلهذا كان مطويا عن الرسل فمن دونهم وإن نزع أحد إلى أن السائل اعتبر بسؤاله معنى الرسالة فمن حيث إنهم رسل طوى عنهم في هذه المرتبة ومن دونهم من أرسل إليهم وذلك هو التكليف فسد الله باب العلم بالقدر في حال الرسالة فإن علموه فما علموه من كونهم رسلا بل من كونهم من الراسخين في العلم فقد ينال على هذا لولا ما بيناه من أن مرتبته بين الذات والمظاهر فمن علم الله علم القدر ومن جهل الله جهل القدر والله سبحانه مجهول فالقدر مجهول فمن المحال أن يعرف المألوه الله لأنه لا ذوق له في الألوهة فإنه مألوه ولله ذوق في المألوهية لكونه يطلبها في المألوه كما يطلبه المألوه فمن هناك وصف الحق نفسه بما وصف به مظاهره من التعجب والضحك والنسيان وجميع الأوصاف التي لا تليق إلا بالممكنات فسر القدر عين تحكمه في المقادير كما إن الوزن متحكم في الموزون والميزان نسبة رابطة بين الموزون والوزن بها يتعين مقدار الموزون ومقادير الموزونات على اختلافها فالحق وضع الميزان وقال وما ننزله إلا بقدر معلوم ويستحقه من أنزل إليه فكل شئ بقضائه أي بحكمه وقدره أي وزنه وهو تعيين وقت حالا كان وقته أو زمانا أو صفة أو ما كان فظهر إن سبب طي علم القدر سبب ذاتي والأشياء إذا اقتضت الأمور لذواتها لا للوازمها أو أعراضها لم يصح أن تتبدل ما دامت ذواتها والذوات لها الدوام في نفسها لا لنفسها فوجود العلم بها محال (السؤال الرابع والثلاثون) لأي شئ طوى الجواب هذا سؤال اختبار إن كان السائل عالما فإنه من المعلومات ما يعلل ومنها ما لا يعلل هذا في المعلومات فكيف ما لا يعلم كيف يصح أن يعلل الجهل به وأما من يرى أن القدر معلوم لمن فوق مرتبة الرسل من الملائكة أو من شاء الله من خلقه الذي لا علم لنا بأجناس خلقه فيكون طيه حتى لا يشارك الحق في علم حقائق الأشياء من طريق الإحاطة بها إذ لو علم أي معلوم كان بطريق الإحاطة من جميع وجوهه كما يعلمه الحق لما تميز علم الحق عن علم العبد بذلك الشئ ولا يلزمنا على هذا الاستواء فيما علم منه فإن الكلام فيما علم منه على ذلك فإن العبد جاهل بكيفية تعلق العلم مطلقا بمعلومه فلا يصح أن يقع الاشتراك مع الحق في العلم بمعلوم ما ومن المعلومات العلم بالعلم وما من وجه من المعلومات إلا وللقدر فيه حكم لا يعلمه إلا الله فلو علم القدر علمت أحكامه ولو علمت أحكامه لاستقل العبد في العلم بكل شئ وما احتاج إلى الحق في شئ وكان الغني له على الإطلاق فلما كان الأمر بعلم القدر يؤدي إلى هذا طواه الله عن عباده فلا يعلم فكل شخص في العالم على جهل من نفسه وعلم فمن حيث جهله يفتقر ويسأل ويخضع ويتضرع ويعلمه بجهله يقع منه هذا الوصف هذا إذا اتفق أن يكون ممكنا العلم به وقد قررنا أنه محال لذاته كما يعلم أنه ليس للحق من
(٦٤)