عن هذا الخاطر فإن خطر له أن ذلك المباح يتضمن ترك مندوب أو واجب من واجب يوجبه على نفسه كمن نذر صيام يوم لا بعينه وله إن شاء أن يصومه في هذا اليوم وهو صوم واجب ولكن لا في هذا اليوم ولا بد وإن صامه في هذا اليوم المباح له ترك الصوم فيه فقد أدى واجبا فإن نوره في خزانته هذه بين النورين المتقدمين وترفع له خزائن المحظورات في العمل والترك والمكروهات في العمل والترك أما خزائن المحظورات ظلمة محضة وأما خزائن المكروهات فسدفة فإن كان حصره في وقت المحظور الايمان به أنه في محظور وكذلك في المكروه فيكون خزائن المحظور ممتلئة سدفة وخزائن المكروه كالأسفار والشفق وما ثم عامل في المؤمنين أو الموحدين إلا هؤلاء خاصة وأما من سوى المؤمن أو الموحد فلا كلام لنا معه في هذا الفصل من حيث قصد السائل وأما من حيث سعى الأعمال فإن لكل عامل مدخلا في هذا الفصل بحسب سعيه من معطل ومشرك وكافر وجاحد ومنافق ومأثم شقي سوى هؤلاء الخمسة وفي الكلام على مناهجهم تفصيل يطول وكل يجري في طلقه إلى أجل مسمى وما منهم إلا من يقول أنا من الأشياء فلا بد لي من الرحمة فإن قائلها ليس من صفته التقييد إذ لو تقيد لخرج عنه ما لا يمكن أن يكون إلا به فمن المحال خروج شئ عنه فمن المحال تقييده فمنا من تفيض عليه الرحمة من خزائن الوجوب ومنا من تفيض عليه الرحمة من خزائن المنن التي ذكرناها فالكل طامع والمطموع فيه واسع إن ربك واسع المغفرة أترى هذه السعة الربانية تضيق عن شئ هي لم تضق عن الممكنات إذ كانت في الشر المحض فكيف تضيق عن الممكنات إذ هي في الشر المشوب هو أعلم بمن اتقى فيخصه بالرحمة الموجبة بالصفة الموجبة فسأكتبها للذين يتقون ممن لم يتق فيخصه برحمته المطلقة وهي رحمة الامتنان ولا تتقيد بحصر فهذا جواب خزائن سعى الأعمال على الإيجاز والبيان (السؤال الثالث والخمسون) من أين تعطي الأنبياء الجواب الأنبياء على نوعين أنبياء تشريع وأنبياء لا تشريع لهم وأنبياء التشريع على قسمين أنبياء تشريع في خاصتهم كقوله إلا ما حرم إسرائيل على نفسه وأنبياء تشريع في غيرهم وهم الرسل عليهم السلام أما الأنبياء الذين هم الرسل فمن حضرة الملك الذي هو ملك الملك وأما الأنبياء غير المرسلين فمن حضرة الاختصاص وأما الأنبياء الذين لا يوحي إليهم الروح المخصوص بذينك الصنفين فمن حضرة الكرم والكل من عين المنة والرحمة وهو الجامع فأما الدائرة العظمى العامة التي هي النبوة المطلقة فمن أعطيها من حيث إطلاقها فلا يعرف أحد ما لديه وما أتحفه به ربه وهو أيضا لا يعرف قدر ذلك لأنه لا يقابله ضد فيها فيتميز عنه وأما من أعطى منها من باب الرحمة به وتولى الحق بضرب من العطف عليه تعليمه فتعرف إليه بعوارفه ثم عرفه من غيبه ما شاء أن يعرفه كخضر الذي قال فيه آتيناه رحمة من عندنا أي رحمناه فأعطيناه هذا العلم الذي ظهر به وإن أراد تعالى أنه أعطاه رحمة من عنده جعلها فيه ليرحم بها نفسه وعباده فيكون في حق الغلام رحمة أن حال بينه وبين ما كان يكتسبه لو عاش من الآثام إذ قد كان طبع كافرا وأما رحمته بالملك الغاصب حتى لا يتحمل وزر غصبه تلك السفينة من هؤلاء المساكين فالرحمة إنما تنظر من جانب الرحيم بها لا من جانب صاحب الغرض فإنه جاهل بما ينفعه كالطبيب يقطع رجل صاحب الأكلة رحمة به لبقاء نفسه فالرحمة عامة من الرحيم الراحم ولم أر أحدا أعطى النبوة المطلقة التي لا تشريع لها إلا إن كان وما عرفته فهذا لا يبعد فإني رأيت من أولياء الله تعالى ما لا أحصيهم عددا أنفعنا الله بهم وأما من أعطى النبوة المقيدة بالشرع الخاص به فما على الأرض منهم اليوم أحد ولا يراهم أحد إلا في الموافقة وهي المبشرات وأما النبوة المقيدة بالشرائع ففي الزمان منهم اليوم الياس وإن الياس لمن المرسلين وإدريس وعيسى واختلف في الخضر بين النبوة والولاية فقيل هو نبي وقيل ولي (السؤال الرابع والخمسون) أين خزائن المحدثين من الأولياء الجواب في حضرة الحق من الحضرات الإلهية وفي المظاهر الإلهية مما وقعت عليه العين أو بعض الحواس من صامت معتاد وناطق تحدثني في ناطق ثم صامت وغمز عيون ثم كسر حواجب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الفصل إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد فإن الله قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده فهذا من حديث الله مع خلقه وقال تعالى فأجره حتى يسمع كلام الله
(٧٦)