ربه فيحتاج ذكره إلى ذكر كل رسول باسمه وحينئذ نذكر سببه ورسل الله في البشر محصورون وفي الملائكة غير محصورين عندنا لكن من شرط أهل هذه الطريقة إذا ادعوا هذه المعرفة فلا بد أن يعرفوا السبب عند تعين الرسول بالذكر ولكن هو من الأسباب التي لا تذاع لئلا يتعب الخلق أو يتخيل الضعيف الرأي أن الرسالة تكتسب بذلك السبب إذا علم فيؤدي ذكر ذلك إلى فساد في العالم فيحفظ عليه الأمناء وأيضا فلا فائدة في إظهاره فإنه بكونه رسولا خص به لأنه كان رسولا بل هو رسول بأمر عام يجتمع فيه المرسلون قال تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض وقال ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض فكل واحد منهم فاضل مفضول وهو مذهب الجماعة وقد بين هذا أبو القاسم ابن قسي في خلع النعلين وهو قوله وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار فخص آدم بعلم الأسماء الإلهية التي طوى علمها عن الملائكة فلم تسبح الله بها حتى استفادتها من آدم وخص موسى بالكلام والتوراة من حيث إن الله كتبها بيده قبل أن يخلق آدم بأربع آلاف سنة وخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكر عن نفسه من أنه أوتي جوامع الكلم وخص عيسى بكونه روحا وأضاف النفخ إليه فيما خلقه من الطين ولم يضف نفخا في إعطاء الحياة لغير عيسى بل لنفسه تعالى إما بالنون أو بالتاء التي هي ضمير المتكلم عن نفسه وهذا وإن كانت كلها منصوصا عليها إنها حصلت لهم فليس بمنصوص الاختصاص بها ولكنه معلوم من جهة الكشف والاطلاع (السؤال الثامن عشر) أين مقام الرسل من مقام الأنبياء الجواب هو بالإزاء إلا أنه في المقام الرابع من المراتب فإن المراتب أربع التي تعطي السعادة للإنسان وهي الايمان والولاية والنبوة والرسالة وأما من مقام الأنبياء فهم من أنبياء التشريع في الرتبة الثانية ومن مقام الأنبياء في الرتبة الثالثة والعلم من شرائط الولاية وليس من شرطها الايمان فإن الايمان مستنده الخبر فلا يحتاج إليه مع الخبر إما بالمحال كالأينية لله أو بالإمكان وهو الإخبار ببعض المغيبات التي يمكن أن ينسب إليها المخبر ما نسب فأول مرتبة العلماء بتوحيد الله الأولياء فإن الله ما اتخذ وليا جاهلا وهذه مسألة عظيمة أغفلها علماء الرسوم فإنه يدخل تحت فلك الولاية كل موحد لله بأي طريق كان وهو المقام الأول ثم النبوة ثم الرسالة ثم الايمان فهي فينا أعني مرتبة الولاية على ما رتبناه وهي هناك ولاية ثم إيمان ثم نبوة ثم رسالة وعند علماء الرسوم وعامة الناس الخارجين عن الطريق الخاص المرتبة الأولى إيمان ثم ولاية ثم نبوة ثم رسالة فأجبنا فيها على ما تعرفه العامة وعلماء الرسوم وبينا المراتب كيف هي بالنظر إلى جهات مختلفة فالموحدون بأي وجه كان أولياء الله تعالى فإنهم حازوا أشرف المراتب التي شرك الله أصحابها من أجلها مع الله فيها فقال شهد الله أنه لا إله إلا هو ففصل لتمييز شهادة الحق لنفسه من شهادة من سواه له بما شهد به لنفسه فقال وعطف بالواو والملائكة فقدم للمجاورة في النسبة من كونه إلها والجار الأقرب في الشرع وفي العرف عند أرباب الكرم والعلم مقدم على الجار إلا بعد بكل وجه إذا اتحدا في ذلك الوجه وفي هذا من رحمة الله بخلقه ما لا يقدر قدره إلا العارفون به في قوله ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فنحن أقرب جار وللجار حق مشروع يعرفه أهل الشريعة وكذلك قوله ونحن أقرب إليه من حبل الوريد فينبغي للإنسان أن يحضر هذا الجوار الإلهي عند الموت حتى يطلب من الحق ما يستحقه الجار على جاره من حيث ما شرع وهو قوله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول قل رب احكم بالحق أي الحق الذي شرعته لنا فعاملنا به حتى لا ننكر شيئا منه مما يقتضيه الكرم فلو علم الناس ما في هاتين الآيتين من العناية بالعباد لكانوا على أحوال لا يمكن أن تذاع يقول تعالى قل كل يعمل على شاكلته وقال صلى الله عليه وسلم في مثل هذا المقام أفلا أكون عبدا شكورا ثم قال تعالى وأولو العلم يعني من الجن والإنس ومن شاركهم من الأمهات والمولدات العلماء بالله فجعلهم جيران الملائكة لتصح الشفاعة من الملائكة فينا لحق الجوار أنه لا إله إلا هو الضمير في أنه يعود على الله من شهد الله فشهادتهم بتوحيده على قدر مراتبهم في ذلك فلذلك فصل بين شهادته لنفسه وشهادة العلماء له ثم قال قائما بالقسط أي بالعدل فيما فصل به بين الشهادتين ثم قال بنفسه لا إله إلا هو نظير الشهادة الأولى التي له فحصلت شهادة العالم له بالتوحيد بين شهادتين إلهيتين أحاطنا بها حتى لا يكون للشقاء سبيل إلى القائل بها ثم تمم بقوله العزيز ليعلم أن الشهادة الثالثة له مثل
(٥٢)