عزيزا ومنهم الناظر إليه من حيث إنه مثل له في المرتبة فإنه بالمرتبة كان خليفة وقد شورك فيها فقال وهو الذي جعلكم في الأرض خلائف وقال يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فهم نواب الحق في عباده فيمدهم من ذلك المقام بأمور خاصة تختص بتلك المثلية كما يمده الحق من صورته بجميع أسمائه وليس إلا هذه وقد قسم الله خلقه إلى شقي وسعيد وجعل مقر عباده في دارين دار جهنم وهي دار كل شقي ودار جنان وهي دار كل سعيد وسموا هؤلاء أشقياء لأنهم أقيموا فيما يشق عليهم وهو المخالفة وسموا هؤلاء سعداء لأنهم أقيموا فيما يسهل عليهم وهو المساعدة والموافقة فمن كان مع الله على مراد الله فيه وفي خلقه لم يشق عليه شئ مما يحدث في العالم (حكي) عن رابعة رضي الله عنها أنه ضرب رأسها ركن جدار فأدماها فما التفتت فقيل لها في ذلك فقالت شغلي بموافقة مراده فيما جرى شغلني عن الإحساس بما ترون من شاهد الحال فما شق عليها ما جرى فلو شق عليها لتعذبت في نفسها منها فالأشقياء ليس لهم عذاب إلا منهم لأنهم أقيموا في مقام الاعتراض والتعليل لأفعال الله في عباده ولأي شئ كان كذا ولو كان كذا كان أحسن وأليق ونازعوا الربوبية وشاقوا الله ورسوله فشقاؤهم شقاقهم فهي دار الأشقياء بدخولها في هذه الحال فإذا طال عليهم الأمد تغير الحال لأن طول الأمد له حكم بقوله تعالى فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم فإذا طال الأمد على الأشقياء وعلموا أن ذلك ليس بنافع قالوا فالموافقة أولى فتبدلت صورهم فأثر ذلك التبديل هذا الحكم فزالت المشاققة فارتفع العذاب عن بواطنهم فاستراحوا في دارهم ووجدوا في ذلك من اللذة ما لا يعلمه إلا الله لأنهم اختاروا ما اختار الله لهم وعلموا عند ذلك أن عذابهم لم يكن إلا منهم فحمدوا الله على كل حال فأعقبهم ذلك أن يحمدوا الله المنعم المتفضل ثم إن لهذا الإنسان المفرد الذي هو آدم ولكل إنسان أقيم فيما هو منفرد به نظر آخر إلى منازل السعداء وهي التي عينها الفلك المكوكب وهي منازل الجنان ومنازل النار فان الجنة مائة درجة والنار مائة درك على عدد الأسماء الإلهية فهي بحكم الاشتراك تسعة وتسعون اسما ينالها كل إنسان بما هو مشارك غيره والاسم الموفي مائة وهو وتر الغيب كما كانت التسعة والتسعون ونر الشهادة لأن الله وتر يحب الوتر فالإسم الموفي مائة مفرد منه يتجلى الحق للإنسان المفرد إذا كان مع الأمر الذي يسمى به إنسانا مفردا وإذا كان مع هذا الاسم الفرد كانت منازله ثمانيا وعشرين منزلة لأن حروف نفسه ثمانية وعشرون حرفا ظهر منها في مقام الجمع والوجود علامات تدل على الحق وهي خمس آلاف علامة وثمانمائة علامة وثمان وثلاثون علامة وهذه كلها منازل في هذه المنازل ولهذا يقال يوم القيامة لقارئ القرآن اقرأ وارق فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ ولهذا تمدح أبو يزيد بأنه ما مات حتى استظهر القرآن وينبغي لقارئ القرآن إذا لم يكن من أهل الكشف ولا من أهل التعليم الإلهي أن يبحث ويسأل علماء الرسوم أي شئ يثبت عندهم أو رأوه أنه كان قرآنا ونسخ لفظه من هذا المصحف العثماني ولا يبالي إذا قالوا له كذا وكذا صحيحا كان الطريق إلى ذلك أو غير صحيح فينبغي إن يحفظه فإنه يزيد بذلك درجات وقد اختلفت المصاحف فهذا ينفعه ولا يضره فإن هذا الذي بأيدينا هو قرآن بلا شك ونعلم أنه قد سقط منه كثير فلو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي جمعه لوقفنا عنده وقلنا هذا وحده هو الذي نتلوه يوم القيامة إذا قيل لقارئ القرآن اقرأ وارق والاحتياط فيما قلناه ولكن لا أريد بذلك أنه يصلي به وإنما يحفظه خاصة فإنه ليس بمتواتر مثل هذا وما نازع أحد من الصحابة في مصحف عثمان إنه قرآن فإذا حصل الإنسان بما انفرد به في منزلة من هذه المنازل فإنها تعطيه حقيقة ما هي عليه مما وضعها الله له من الأمور الظاهرة في أفعال العباد في حركاتهم وسكونهم وتصرفاتهم وما منعني من تعيينها إلا ما يسبق إلى القلوب الضعيفة من ذلك ووضع الحكمة في غير موضعها فإن الحافظين أسرار الله قليلون وإذا وفي الإنسان المفرد علم هذه الأمور ودخل الجنات الثمانية ورأى الكثيب الأبيض وعاين درجات الناس في الرؤية وتميز مراتبهم ومنازلهم في ذلك ونظر إلى التكوينات الجنانية والرقائق الممتدة إليها من فلك البروج علم إن لله أسرارا في خلقه فأراد أن يعرفه آثار ذلك فارتقى بنفسه إلى هذا الفلك ودار معه دورة واحدة لكل برج حتى أكمل اثنتي عشرة دورة ونظر بحلوله في كل دورة ما يعطي من الأثر في جنات النعيم وفي جهنم وفي عالم الدنيا وفي البرزخ وفي يوم القيامة وفي أحوال الكائنات العرضيات في العالم والخاصة بجسد الإنسان وروحه
(٤٤٧)