شوق بتحصيل الوصال يزول والاشتياق مع الوصال يكون إن التخيل للفراق يديمه * عند اللقاء فربه مغبون من قال هون صعبة قلنا له * ما كل صعب في الوجود يهون هو من صفات العشق لا من غيره * والعشق داء في القلوب دفين ما حكم هذا النعت إلا ههنا * وهناك يذهب عينه ويبين يقول بعض العشاق فأبكي إن نأوا شوقا إليهم * وأبكي إن دنوا خوف الفراق الشوق يسكن باللقاء فإنه هبوب القلب إلى غائب فإذا ورد سكن والاشتياق حركة يجدها المحب عند اجتماعه بمحبوبه فرحا به لا يقدر يبلغ غاية وجده فيه فلو بلغ سكن لأنه لا يشبع منه فإن الحس لا يفي بما يقوم في النفس من تعلقها بالمحبوب فهو كشارب ماء البحر كلما ازداد شربا ازداد عطشا قال ع منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا من حيث ما هو محب في تحصيل كل واحد منهما وما للعلم غاية ينتهي إليها فلهذا لا يشبع وكذلك الدنيا فإنها مشتهي النفوس والشهوة تطلبها وقد تجلى ذلك المشتهي في صورة قريبة تسمى دنيا فتعلقت الشهوة بها ثم تنتقل إلى الآخرة في الجنة فتتبعها الشهوة فلا تشبع أبدا لأنها صورة لا يتناهى أمدها ولولا الشهوة ما طابت الجنة فالشوق ما سكن والاشتياق ما بقي ولنا في هذا الباب ليس يصفو عيش من ذاق الهوى * دون أن يلقى الذي يعشقه فإذا أبصره يكمه * ذلك المعنى الذي يقلقه وهو معنى حكمه مختلف * عند من يعرف ما أطلقه ولما كان الحب لا يتعلق إلا بمعدوم كما قدمناه في باب المحبة كذلك الشوق لا يصح أن يتعلق بحاضر وإنما متعلقة غائب غير مشهود له في الحال ولذا كان الشوق من أوصاف المحبة ولهذا يطرد وينعكس فيقال كل محب مشتاق وكل مشتاق محب ومن ليس بمشتاق فليس بمحب ومن ليس بمحب فليس بمشتاق وقد ورد خبر لا علم لي بصحته إن الله تعالى ذكر المشتاقين إليه وقال عن نفسه إنه أشد شوقا إليهم كما يليق بجلاله فشوقه إليهم أن ينيلهم الراحة بلقاء من اشتاقوا إليه والوقت المقدر الذي لا يتبدل لم يصل فلا بد من تأخر وجود ما وقع الشوق الإلهي إليه هذا إن صح الخبر ولا علم لي به لا من الكشف ولا من رواية صحيحة إلا أنه مذكور مشهور وقد اتصفت الجنة بالاشتياق إلى علي وسلمان وعمار وبلال وتكلم الناس في ذلك من حيث اشتقاق أسماء هؤلاء من العلو والسلامة والعمران والاستبلال ولكن ما هو محقق فإن الشوق أمر ذوقي ولو خطر لي هذا الخبر حين رأيت الجنة لسألتها عن شوقها لهؤلاء دون غيرهم فإنها أعرف بالسبب الذي أداها إلى الشوق لهؤلاء الأربعة وكذلك النبي ص قد رأيته مرارا وسألته عن أشياء وما خطر لي أن أسأله عن شوق الجنة لهؤلاء بل شغلني ما كان أهم علي منه والشوق علم ذوق يعرفه كل مشتاق من نفسه (الباب الأحد والثمانون ومائة في معرفة مقام احترام الشيوخ) ما حرمة الشيخ إلا حرمة الله * فقم بها أدبا لله بالله هم الأدلاء والقربى تؤيدهم * على الدلالة تأييدا على الله الوارثون هم للرسل أجمعهم * فما حديثهم إلا عن الله كالأنبياء تراهم في محاربهم * لا يسألون من الله سوى الله فإن بدا منهم حال تولههم * عن الشريعة فاتركهم مع الله لا تتبعهم ولا تسلك لهم أثرا * فإنهم طلقاء الله في الله لا تقتدي بالذي زالت شريعته * عنه ولو جاء بالإنباء عن الله ولما رأينا في هذا الزمان جهل المريدين بمراتب شيوخهم قلنا في ذلك
(٣٦٤)