ولا يقال ما إلا في محدود ولا يقال كيف إلا في قابل للأحوال والحق منزه عن هذه الأمور المعقولة من هذه المطالب فهو منزه الذات عن هذه المطالب بل لا يجوز عليه لا في حق من يرى أن الوجود هو الله ولا في حق من لا يراه فإن الذي يرى أن الوجود هو الله فيرى أن حكم ما ظهر به الحق إنما هو أحكام أعيان الممكنات فما وقعت هذه المطالب إلا على مستحقها فإنه ما طلبت عين الحق إلا من حيث ظهورها بحكم عين الممكن فعين الممكن هو المطلوب والتبس على الطالب وأما من لا يرى أن عين الوجود هو الحق فلا تجوز عليه المطالب ثم نرجع فنقول أما الإبدار الذي نصبه الله مثالا في العالم لتجليه بالحكم فيه فهو الخليفة الإلهي الذي ظهر في العالم بأسماء الله وأحكامه والرحمة والقهر والانتقام والعفو كما ظهر الشمس في ذات القمر فأناره كله فسمي بدرا فرأى الشمس نفسه في مرآة ذات البدر فكساه نورا سماه به بدرا كما رأى الحق في ذات من استخلفه فهو يحكم بحكم الله في العالم والحق يشهده شهود من يفيده نور العلم قال تعالى إني جاعل في الأرض خليفة وعلمه جميع الأسماء واسجد له الملائكة لأنه علم أنهم إليه يسجدون فإن الخليفة معلوم أنه لا يظهر إلا بصفة من استخلفه فالحكم لمن استخلفه قال الحق لأبي يزيد في بعض مكاناته مع الحق اخرج إلى الخلق بصفتي فمن رآك رآني ومن عظمك عظمني فتعظيم العبيد لتعظيم سيدهم لا لنفوسهم فهذا سر الإبدار فنصب الله صورة البدر مع الشمس مثلا للخلافة الإلهية وأن الحق يري نفسه في ذات من استخلفه على كمال الخلقة فإنه لا يظهر له إلا في صورته وعلى قدره ومن يرى أن الحق مرآة العالم وأن العالم يرى نفسه فيه جعل العالم كالشمس والحق كالبدر وكلا المثلين صحيح واقع واعلم أن الله قصد ضرب الأمثال للناس فقال كذلك يضرب الله الأمثال للذين استجابوا لربهم الآية فالعالم كله بما فيه ضرب مثل ليعلم منه أنه هو فجعله دليلا عليه وأمرنا بالنظر فيه فمما ضرب الله في العالم من المثل صورة القمر مع الشمس فلا يزال الحق ظاهرا في العالم دائما على الكمال فالعالم كله كامل وجعل الله للعالم وجهين ظاهرا وباطنا فما نقص في الظاهر من إدراك تجليه أخذه الباطن وظهر فيه فلا يزال العالم بعين الحق محفوظا أبدا ولا ينبغي أن يكون إلا هكذا وأحوال العالم مع الله على ثلاث مراتب مرتبة يظهر فيها تعالى بالاسم الظاهر فلا يبطن عن العالم شئ من الأمر وذلك في موطن مخصوص وهو في العموم موطن القيامة ومرتبطة يظهر فيها الحق في العالم في الباطن فتشهده القلوب دون الأبصار ولهذا يرجع الأمر إليه ويجد كل موجود في فطرته الاستناد إليه والإقرار به من غير علم به ولا نظر في دليل فهذا من حكم تجليه سبحانه في الباطن ومرتبطة ثالثة له فيها تجل في الظاهر والباطن فيدرك منه في الظاهر قدر ما تجلى به ويدرك منه في الباطن قدر ما تجلى به فله تعالى التجلي الدائم العام في العالم على الدوام وتختلف مراتب العالم فيه لاختلاف مراتب العالم في نفسها فهو يتجلى بحسب استعدادهم فمن فهم هذا علم أن الإبدار لا يزال فافهم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب السابع والخمسون ومائتان في معرفة المحاضرة وهي حضور القلب بتواتر البرهان ومجاراة الأسماء الإلهية بما هي عليه من الحقائق التي تطلبها الأكوان) محاضرة الأسماء في حضرة الذات * دليل على الماضي دليل على الآتي أقول بها والكون يعطي وجودها * لوجدان آلام ووجدان لذات فلو لا وجود المحو ما صح عندنا * ولا عند من يدري وجود لإثبات المحاضرة صفة أهل الاعتبار والنظر المأمور به شرعا فما يفرغون من نظر في دليل بعد إعطائه إياهم مدلوله إلا ويظهر الله لهم دليلا آخر فيشتغلون بالنظر فيه إلى أن يوفي لهم ما هو عليه من الدلالة فإذا حصلوا مدلوله أراهم الحق دليلا آخر هكذا دائما وهو قوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم فذكر أنه يريهم آيات ما جعل ذلك آية واحدة ثم قال حتى يتبين لهم أنه الحق وهو عثورهم على وجه الدليل وحصول المدلول وهذه مسألة تختلف فيها فتوح المكاشفة فمنهم من يعطي الدليل ومدلوله كشفا ولا يعطي أبدا ذلك المدلول دون دليله حتى زعم بعض العلماء به أن علوم الوهب التي من شأنها أن لا تدرك في النظر إلا بالدليل العقلي لا توهب لمن وهبت إلا بأدلتها فإنها بها مرتبطة ارتباطا عقليا ومنهم من
(٥٥٦)