فأخرج وضيق المتسع فنفس الله بتمام الآية والتعريف بقوله إن ربي على صراط مستقيم فقوله اهدنا الصراط المستقيم بالألف واللام اللذين للعهد وهو هذا الصراط الذي عليه الرب أن يكون مشهودا لنا في وقت مشي الحق فيه بنا فإنه صراط من أنعم عليه ومن غضب الله عليه وأصله في السبيل التي فرقته عن سبيله وهو الصراط الذي هو عليه حجبته عن شهوده فلا يشهده إلا سعيد وإن لم يشهده وآمن به وجعله كأنه يشهده فهو سعيد ومعلوم أن تصرف كل دابة قد يتعلق به لسان حمد أو ذم لأمور عرضية في الطريق عينتها الأحوال وأحكام الأسماء والأصل محفوظ في نفس الأمر تشهده الرسل سلام الله عليهم والخاصة من عباد الله (وصل) ومن نفس الرحمن الذي نفس الله به عن عباده المؤمنين بالرسل قوله وهو معكم أينما كنتم فنفس الله بذلك عن قلوب كان قد قام بها إن الله تعالى لا يعلم الجزئيات وإن كان القائل بذلك قد قصد التنزيه لكنه ممن اجتهد فأخطأ أن قال ذلك عن اجتهاد فله الأجر فإن الأمر لا يتغير عما هو عليه في نفسه ولا يؤثر فيه حكم المجتهد لا بالإصابة ولا بالخطأ وإذا لم يتغير الأمر في نفسه بتغير الاجتهاد فالحكم له فلا يكون منه في العقبى إلا الخير فإنه الخير المحض الذي لا شر فيه فما عند المجتهدين من التغيير من جهته إلا ما تغيروا به من نفوسهم فإن الله لا يغير ما يقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وما غيروا به أنفسهم فذلك تغيير الله بهم لأنهم ما خرجوا عما أعطاهم الله فإن الله ما كلف نفسا إلا ما آتاها فما آتاها في هذا الوقت إلا ما سماه تغييرا فهو معهم في حال تغيرهم إلى أن ينقضي مدته فيبدو لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون وهو مشاهدة ما هو الأمر عليه في نفسه فنفس الله عنهم بما بدا لهم منه وما يبدو من الخير إلا الخير كما قال المعتزلي الذي كان يقول بإنفاذ الوعيد فيمن مات عن غير توبة فلما مات وهو على هذا الاعتقاد وحصل له بعد الموت شهود الأمر على ما هو به رؤي في النوم فقيل له ما فعل الله بك فقال وجدنا الأمر أهون مما كنا نعتقده وأخبر أنه رحم ولم ينفذ فيه الوعيد الذي كان يعتقد نفوذه في أمثاله وليس إنباء الحق عباده يوم القيامة بما عملوه من الجرائم واجترحوه من الآثام على جهة التوبيخ والتقرير وإنما ذلك على طريق الإعلام باتساع رحمة الله حيث نالها لاتساعها من لا يستحقها وذلك بشفاعة أعيان تلك الأفعال المسماة جرائم فإن فاعلها لما كان سببا في إيجاد أعيانها من كونها أفعالا وأقام نشأتها وهي معصية في حقه لكنها نشأة مطيعة مسبحة ربها عز وجل تستغفر للسبب الموجب لوجودها فيجيب الله دعاءها واستغفارها لصاحبها فإنه لا علم لها بأنها معصية أو طاعة فإنها غير مكلفة بذلك ولا خلقت له فيقبل الله شفاعتها فيه فيكون ما له إلى الرحمة التي وسعت كل شئ وما في العالم إلا من هو منشئ صور أعمال منعوتة في الشرع بطاعة ومعصية ولا طاعة ولا معصية فإذا انتشأت فلا غذاء لها إلا التسبيح بحمد الله وهنا أعني في هذه الحضرة تتساوى أعمال الطاعة والمعصية فإن كونها طاعة ومعصية ما هو عينها وإنما ذلك حكم الله فيها وهي مقبولة السؤال عند الله فإنها من أصناف المعتنى بهم المفطورين على تعظيم الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله ولولا أنه ما كان معنا أينما كنا ما ظهرت أعيان هذه الأعمال إذ هو منشئها فينا بنا أو عندنا على حسب ما يعطيه نظر كل ناظر فقل كيف شئت وهذا القدر كاف في باب النفس الرحماني وما رأيت أحدا ممن غير من أهل هذا الشأن تكلم عليه مثلنا ولا فصله تفصيلنا والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (بسم الله الرحمن الرحيم) (الباب التاسع والتسعون ومائة في السر) السر تثبيت المراتب فافتكر * فهو الدليل على ثبوت الواحد بالفرد صح وجودنا في عيننا * في غائب إن كان أو في شاهد إن الإشارة بالحقيقة تيمت * وهي الدليل على انتفاء الواجد والحال يطلبه المراد بكونه * فيه بحكم لا يكون بزائد والعالم النحرير إن قامت به * صفة العلوم فحكمه كالفاقد اعلم أن السر عند الطائفة على ثلاث مراتب سر العلم وسر الحال وسر الحقيقة فأما سر العلم فهو حقيقة العلماء بالله لا بغيره
(٤٧٨)