فإن حكمها يسرى في جميع الأشياء وهو أن الحكيم لا يتعدى بالشئ قدره ولا منزلته (الباب الخامس والأربعون ومائة في معرفة مقام ترك الفكر وأسراره) ترك التفكر تسليم لخالقه * فلا تفكر فإن الفكر معلول إن لم تفكر تكن روحا مطهرة * جليس حق على الأذكار مجبول إن لم تفكر تكن روحا مطهرة * مثل الملائك لم يحجبك تفصيل عن الإله الذي يعطي مواهبه * جودا وذاك الذي يعطيه تنزيل إما لقاء أو إلقاء فتعلمه * أو الكتابة أعطتها التفاصيل فبالتفكر ووكلنا لأنفسنا * لولاه ما كان إشراك وتعطيل إن التفكر أمر قد خصصت به * لأنني جامع والجمع تحصيل لصورة الحق والأسماء أجمعها * وكل عين فما في الحق تبديل وفي المواطن كلفنا بخدمته * أنت بذلك إخبار وتنزيل التاركون للفكر رجال أرادوا رفع اللبس عنهم فيما يريدون العلم به ليلحقوا بوراثة من قيل فيه وما ينطق عن الهوى وبما فطر عليه من فطر من المخلوقات كالملائكة ومن شاء الله من المخلوقين الذين فطروا على العلم بالله والوحي إليهم ابتداء من الله وعناية بهم ولأن الأفكار محل الغلط والطائفة الأخرى نزحت إلى ترك التفكر لأن التفكر جولان في أحد أمرين إما في المخلوقات وإما في الإله وأعلى درجات جولانه في المخلوقات أن يتخذها دليلا والمدلول يضاد الدليل فلا يجتمع دليل ومدلوله عند الناظر أبدا فرأوا ترك التفكر والاشتغال بالذكر إذ هما مشروعان فإنه لو مات في حال الفكر في الآيات لمات في غير الله وإن كان يطلبها لله ولكن لا يكون له مشهود إلا هي وإن كان جولانه في الإله ليتخذه دليلا على المخلوقات والكائنات كما يراه بعضهم فقد طلبه لغيره وهو سوء أدب مع الله حيث ما قصد النظر فيه إلا ليدله على حكم الكائنات ولو استندت إليه فما طلبه لعينه وإن ظن أنه يجول بفكره فيه ليتخذه دليلا عليه فهذا غلط بين فإنه لا ينظر فيه إلا وهو عالم به فإن نظر فيه بمعنى هل يصح أن يكون دليلا على نفسه فهذا غاية الجهل فإنه لا شئ أدل من الشئ على نفسه فلما رأوا مثل هذا النظر تركوه فإذا تفكر من هذه صفته كان مثل الذي بشكر الخلق لإحسانهم فشكرهم عبادة لأن الله أمر بشكرهم كذلك أمرهم بالتفكر فيتفكرون فيما أمرهم أو عين لهم أن يتفكروا فيه امتثالا لأمره ويكون ما ينتجه من العلم في حكم التبع لأن علوم الفكر بكل وجه ما تقوم مقام علوم الذكر والوحي والوهب الإلهي في الرفعة والمكانة انتهى الجزء الثاني ومائة (بسم الله الرحمن الرحيم) (الباب السادس والأربعون ومائة في معرفة مقام الفتوة وأسراره) اعلم أيدك الله أن الفتوة ما ينفك صاحبها * مقدما عند رب الناس والناس إن الفتى من له الإيثار تحلية * فحيث كان فمحمول على الرأس ما أن تزلزله الأهواء بقوتها * لكونه ثابتا كالشامخ الراسي لا حزن يحكمه لا خوف يشغله * عن المكارم حال الحرب والبأس انظر إلى كسره الأصنام منفردا * بلا معين فذاك اللين القاسي الفتوة نعت إلهي من طريق المعنى وليس له سبحانه من لفظها اسم إلهي يسمى به كما ثبت شرعا ودليل عقل أنه له الغني عن العالم على الإطلاق فبالشرع قوله تعالى والله غني عن العالمين ودليل العقل لو لم يكن وجوده واجبا لنفسه مع اتصافه بالوجود لكان ممكنا لأنه متصف بالوجود ولو كان ممكنا لافتقر إلى المرجح في وجوده فلم يكن يصح له اسم الغني
(٢٣١)