سمي عذابا ما يقع به الآلام بشرى من الله لعباده أن الذي تتألمون به لا بد إذا شملتكم الرحمة أن تستعذبوه وأنتم في النار كما يستعذب المقرور حرارة النار والمحرور برودة الزمهرير ولهذا جمعت جهنم النار والزمهرير لاختلاف المزاج فما يقع به الألم لمزاج مخصوص يقع به النعيم في مزاج آخر يضاده فلا تتعطل الحكمة ويبقي الله على أهل جهنم الزمهرير على المحرورين والنار على المقرورين فينعمون في جهنم فهم على مزاج لو دخلوا به الجنة تعذبوا بها لاعتدالها ثم اعلم أن الصبر يتنوع بتنوع الأدوات فالصبر في الله إذا أوذي فيه والصبر مع الله رؤية المعذب في العذاب والصبر على الله حال فقده لربه بوجود نفسه غير مقترنة بوجود ربه والصبر بالله أن يكون الحق عين صبره كما هو سمعه وبصره والصبر من الله حال رفع الحول والقوة منك فلا تقول لا حول ولا قوة إلا بالله فيزول بالاستعانة والصبر عن الله وهو أعظمها مقاما وهو الصبر الذي يزول بالموت ولا يوجد في الآخرة فإن صاحب هذا الصبر ينسب الصبر إليه نسبة الاسم الصبور إلى الله ولهذا يرتفع بزوال الدنيا وفي العبد بزواله عن الدنيا ومن زلت عنه فقد زال عنك فهؤلاء أخذوا الصبر عن الله كما تقول أخذت هذا العلم عن فلان فأنت فيه كهو كذلك قول سليمان ع أحببت حب الخير عن ذكر ربي لأنه سماه خيرا والخير منسوب إلى الله فقال عن ذكر ربي إياه بالخيرية أحببته فطفق يمسح بيده على أعرافها وسوقها فرحا وإعجابا بخير ربه فإنه أحب حب الخير وحب الخير إما أن يريد حب الله إياه أو حب الخير من حيث وصف الخير بالحب والخير لا يحب إلا الأخيار فإنهم محل وجود عينه فكذلك سليمان ع قال أحببت حب الخير أي أنا في حبي كالخير في حبه ولهذا لما توارت بالحجاب أعني الصافنات الجياد اشتاق إليها لأنه فقد المحل الذي أوجب له هذه الصفة الملذوذة فإنها كانت مجلي له فقال ردوها علي وأما المفسرون الذين جعلوا التواري للشمس فليس للشمس هنا ذكر ولا للصلاة التي يزعمون ثم إنهم يأخذون في ذلك حكايات اليهود في تفسير القرآن وقد أمرنا رسول الله ص أن لا نصدق أهل الكتاب ولا نكذبهم فمن فسر القرآن برواية اليهود فقد رد أمر رسول الله ص ومن رد أمر رسول الله ص فقد رد أمر الله فإنه أمر أن نطيع الرسول وأن نأخذ ما أتانا به وأن ننتهي عما نهانا عنه إذ لا يوصلنا إلى أخبار هؤلاء الأنبياء الإسرائيليين إلا نبي فنصدقه أو أهل كتاب فنقف عند أخبارهم إذا لم يكن في كتابنا ولا قول رسولنا ص ولا في أدلة العقول ما يرده ولا يثبته ولا نقضي فيه بشئ وأما مساق الآية فلا يدل على ما قالوه بوجه ظاهر ألبتة وأما استرواحهم فيما فسروه بقوله ولقد فتنا سليمان فليس تلك الفتنة وهو الاختبار إذا كان متعلقة الخيل ولا بد فيكون اختباره إذا رآها هل يحبها عن ذكري لها أو هل يحبها لعينها فأخبر ص أنه أحبها عن ذكر ربه إياها لا نفسها مع حسنها وجمالها وحاجته إليها وهي جزء من الملك الذي طلب أن لا ينبغي لأحد من بعده فأجابه الحق إلى ما سأل في المجموع ورفع الحرج عنه وقال له هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب وإن له عندنا يعني في الآخرة لزلفى وحسن مآب أي ما ينقصه هذا الملك من ملك الآخرة شئ كما يفعله مع غيره حيث أنقصه من نعيم الآخرة على قدر ما تنعم به في الدنيا قال الله تعالى في حق قوم أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فالصبر عن الله بهذا التفسير أعظم أنواع الصبر وأما الصبر عن الله على ما يتخيله العامة من الصبر عن كذا لمفارقته إياه فليس ذلك من شأن أهل الله والشبلي لما غشي عليه من قول الشاب إن الصبر عن الله أعظم الصبر غشي عليه لعظم المقام الذي لا يناله إلا الكمل من الرجال فلما لاح للشبلي من كلام الشاب كان وارده أقوى من محل الشبلي فلذلك أثر فيه الغشي وهكذا كل وارد يكون أقوى من قوة المحل فإنه يفعل فيه الغشي والصعق وليس لأهل الله قدم في الصبر عن الله على تفسير العامة وللصبر درجات عند العارفين من أهل الأنوار ثلاثمائة وثلاث وعشرون درجة وعند أهل الأسرار منهم مائتان وثلاث وتسعون درجة وعند الملامية من أهل الأنوار مائتان واثنتان وتسعون وعند أهل الأسرار منهم مائتان واثنتان وستون درجة (الباب الخامس والعشرون ومائة في معرفة مقام ترك الصبر وأسراره)
(٢٠٧)