كنى عنه الشرع بالغت والغط في نزول الوحي عليه كصلصلة الجرس وهو أشده عليه فإن نزوله شديد على هذا الهيكل البشري ولا سيما إن كان النزول بالقرآن كما قال ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض وقد يكون من الجبال القوة الماسكة الطبع الذي من شأنه الميل نظير الميد في الأرض ويكون من الأرض أرض الأجسام الطبيعية أو كلم به الموتى ومن أصناف الموت الجهل يقول تعالى أو من كان ميتا فأحييناه لكان هذا القرآن يحيا بما فيه من العلم ويقطع به الأرض وتسير الجبال بما فيه من الزجر والوعيد وقوله قرآنا بالتنكير دليل على أحد أمرين إما على آيات منه مخصوصة كما ضرط الجبار عند ما سمع صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود وإما أن يكون ثم أمر آخر ينطلق عليه اسم قرآن غير هذا لغة ولو حرف امتناع لامتناع فهل هو داخل تحت الإمكان فيوجد أو ما هو ثم إلا بحكم الفرض والتقدير فأما عندنا فكل كلام إلهي من كلمة مركبة من حرفين إلى ما فوق ذلك من تركيبات الحروف والكلمات المنسوبة إلى الله بحكم الكلام فإنه قرآن لغة وله أثر في النزول في المحل المنزل عليه إذا كان في استعداده التأثر بنزوله فإن لم يكن فلا يشترط والاستعداد من المحل أن يكون حاله العبودة والعبودية وأثره في حال العبودية أتم منه في حال العبودة فإن سمع المحل أو نزل عليه في حال كون الحق سمعه حصل له النزول ولم يظهر له أثر عليه لأنه حق في تلك الحالة فينتفي عنه الخشوع وهذا أصل يطرد في كل وصف لا يكون له في الألوهة مدخل كالذلة والافتقار والخشوع والخوف والخشية فإنه يتأثر صاحب هذا الحال وكل كون يكون حالة نعت إلهي كالكرم والجود والرحمة والكبرياء فإنه لا يؤثر في صاحبه أصلا فإنه نعت حق فله العزة والمنع هذا مطرد وقد نزل علينا من القرآن ذوقا عرفنا من ذلك صورة نزوله على نبيه ص فوجدنا له ما لم نجد لحفظ حروفه ولا لتدبر معانيه ونزل علينا في الحالين فأثر في الحال الواحد الكوني ولم يؤثر في الحال الإلهي إلا لذة خاصة فإنه لا بد منها وأما خشوعا فلا ولهذا ينسب إلى الجناب الإلهي الأقدس ما ينسب من الفرح وهو التذاذ ثم إن الله جعل مثل هذا أمثالا مضروبة للناس يضل بها كثيرا ويهدي بها كثيرا وما يضل بها إلا الفاسقين الخارج عن الحالين والعاري عن التلبس بالحكمين وهي حالة الغافلين عما خلقوا له وعما فضلوا به لم يمت أبو يزيد حتى استظهر القرآن وهو تنزيله عليه ذوقا ومن استظهر القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه كذا قال ص وهذا الفرق بين تنزله على النبي ص وبين تنزله علينا فإنه منزل في النبي ص على قلبه وفي صدره فنبوته له مشهودة وينزل علينا بين جنبينا من وراء حجابنا فهو لنا في الظهر لا في الظهور فنبوتنا مستورة عنا مع كوننا محلا لها فمن خشع تصدع ومن علم يخشى (الباب الحادي عشر ومائة في ترك الخشوع) من تجلى لنفسه كيف يخشع * وبه تنظر العيون إليه فقوانا قواه من غير شك * هكذا نص لي الرسول عليه إذا كان العبد في نعت إلهي وورد التجلي عليه وتلقاه بذلك النعت أورثه لذة وفرحا وابتهاجا وسرورا ولم يجد خشوعا ولا ذلة فينسب ذلك الفرح للظاهر في المظهر لا من حيث هو ظاهر فهو سرور بكمال وأثره في المظهر من حيث ما هو مظهر فهو محجوب عن ذاته بربه في حال صحوه وظهوره وحضوره وإثباته وبقائه وترك الخشوع لمن ليست هذه حالته مذموم مطرود (الباب الثاني عشر ومائة في مخالفة النفس) خالف هواك فإنه محمود * واعلم بأنك وحدك المقصود الكل يسعد غير من هو مثله * فلتلق سمعك لي وأنت شهيد أنت العزيز فذق وبال صفاته * يوم القيامة والأنام شهود اعلم أيدك الله أن مخالفة النفس هو الموت الأحمر وهو حال شاق عليها وهي المخالفة نفسها فالمخالف عين المخالف وهذا من أعجب الأمور أعني وجود المشقة نعم لو كان المخالف نفسا أخرى لم يكن التعجب من حصول المشقة في ذلك
(١٩٤)