شئ ولا يستحيل إليه شئ وإن كان بهذه المثابة بقية الأركان ولكنه في هذا الركن أظهر حكما منه في غيره واعلم أن كل معلوم يدخله التقسيم فإنه يدخل في الوجود الذهني لا بد من ذلك وقد يكون هذا الداخل في الوجود الذهني ممن يقبل الوجود العيني وقد يكون ممن لا يقبل الوجود العيني كالمحال والذي يقبل الوجود العيني لا يخلو إما أن يكون قائما بنفسه وهو المقول عليه لا في موضوع وإما أن لا يكون فأما قسم ما يكون قائما بنفسه فلا يخلو إما أن يكون متحيزا أو غير متحيز وأما قسم لا في موضوع غير متحيز فلا يخلو إما أن يكون واجب الوجود لذاته وهو الله تعالى وإما أن يكون واجبا بغيره وهو الممكن وهذا الممكن إما أن يكون متحيزا أو غير متحيز والقسمة فيما هو قائم بنفسه من الممكنات فغير المتحيز كالنفوس الناطقة المدبرة لجوهر العالم النوراني والطبيعي والعنصري والمتحيز إما أن يكون مركبا ذا أجزاء وإما أن لا يكون ذا أجزاء فإن لم يكن ذا أجزاء فهو الجوهر الفرد وإن كان ذا أجزاء فهو الجسم وأما القسم الذي هو في موضوع وهو الذي لا يقوم بنفسه ولا يتحيز إلا بحكم التبعية فلا يخلو إما أن يكون لازما للموضوع أو غير لازم في رأى العين وأما في نفس الأمر فلا شئ مما لا يقوم بنفسه يكون باقيا في نفس الأمر زائدا على زمان وجوده لكن منه ما تعقبه الأمثال ومنه ما يعقبه ما ليس بمثل فأما الذي يعقبه الأمثال فهو الذي يتخيل أنه لازم كصفرة الذهب وسواد الزنجي وأما الذي لا تعقبه الأمثال فهو المسمى بالعرض واللازم يسمى صفة وليست المعلومات التي لها وجود عيني سوى ما ذكرنا واعلم أن العالم واحد بالجوهر كثير بالصورة وإذا كان واحدا بالجوهر فإنه لا يستحيل وكذلك الصورة أيضا لا تستحيل لما يؤدي إليه من قلب الحقائق فالحرارة لا تكون برودة واليبوسة لا تكون رطوبة والبياض لا يستحيل سوادا والتثليث لا يصير تربيعا لكن الحار قد يوجد بارد إلا في زمان كونه حارا وكذلك البارد قد يوجد حار إلا في زمان كونه باردا وكذلك الأبيض قد يكون أسود بمثل ما ذكرنا والمثلث قد يكون مربعا فبطلت الاستحالة فالأرض والماء والهواء والأفلاك والمولدات صور في الجوهر فصور تخلع عليه فيسمى بها من حيث هيأة وهو الكون وصور تخلع عنه فيزول عنه بزوالها ذلك الاسم وهو الفساد فما في الكون استحالة يكون المفهوم منها أن عين الشئ استحال عينا آخر إنما هو كما ذكرنا والعالم في كل زمان فرد يتكون ويفسد ولا بقاء لعين جوهر العالم لولا قبول التكوين فيه فالعالم يفتقر على الدوام أما افتقار الصور فلبروزها من العدم إلى الوجود وأما افتقار الجوهر فلحفظ الوجود عليه إذ من شرط وجوده وجود تكوين ما هو موضوع له لا بد من ذلك وكذلك حكم الممكن القائم بنفسه الذي لا يتحيز هو موضوع لما يحمله من الصفات الروحانية والإدراكات التي لا بقاء لعينه إلا بها وهي تتجدد عليه تجدد الأعراض في الأجسام وصورة الجسم عرض في الجوهر وأما الحدود إنما محلها الصور فهي المحدودة ولا بد أن يوجد في حدها الجوهر الذي تظهر فيه وبهذا القدر يسمون الصور جوهرا لكونهم يأخذون الجوهر في حد الصورة وبالجملة فالنظر في هذه الأمور من غير طريق الكشف الإلهي لا يوصل إلى حقيقة الأمر على ما هي عليه لا جرم أنهم لا يزالون مختلفين ولهذا عدلت الطائفة السعيدة المؤيدة بروح القدس إلى التجرد عن أفكارها والتخلص عن قيد قواها واتصلت بالنور الأعظم فعاينت الأمر على ما هو عليه في نفسه إذ كان الحق عز وجل بصرها فلم تشاهد إلا حقا كما قال الصديق ما رأيت شيئا ألا رأيت الله قبله فيرى الحق ثم يرى أثره في الكون وهو الوقوف على كيفية الصدور فكأنه عاين الممكنات في حال ثبوتها عند ما رش على ما رش منها من نوره الأعظم فاتصفت بالوجود بعد ما كانت تنعت بالعدم فمن هذا مقامه فقد ارتفع عنه غطاء العمي والحيرة فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد فما جعل العلم إلا في الشهود فالحاكم يحكم بغلبة ظنه والشاهد يشهد بعلم لا بظن ثم اعلم أن أجسام العالم تنقسم إلى لطيف وكثيف وشفاف وكدر ومظلم ومنور وإلى كبير وصغير وإلى مرئي وغير مرئي فالوجود كله عطاء ليس عند الله منع كل ما منه عطاء فإذا ما قيل منع لم يكن الإعطاء فإنا ما بين شيئين غطاء ووطاء وأنا لكل ما في الكون من خير وعاء فالرجل الذي رأى الحق حقا فاتبعه وحكم الهوى وقمعه فإذا جاع جوع اضطرار وحضر بين يديه أشهى ما يكون من الأطعمة تناول منه بعقله لا بشهوته ودفع به سلطان ضرورته ثم أمسك عن الفضل غنا نفس وشرف همة
(٤٥٤)