(السؤال التاسع والسبعون) بأي شئ يختمه حتى يناوله مفاتيح الكرم الجواب يختمه بالعبودية وهو انتسابه إلى العبودة كما قررنا وهي الدرجة الثانية فإن هذا المقام ما هو سوى درجتين درجة العبودة وهي العظمى المقدمة ودرجة العبودية وهي الختام لأنه ما أمر بما يقتضيه أمر العبودة إلا بعد وجوده فأمر ونهي بوساطة هذا التركيب فأطاع وعصى وأناب وآمن وكفر ووحد وأشرك وصدق وكذب ولما وفي حق الدرجة الثانية بما تستحقه العبودية من امتثال أوامر سيده ونواهيه ناوله مفاتح الكرم برد ما قدم إليه (السؤال الثمانون) ما مفاتيح الكرم الجواب سؤالات السائلين منا ومنه وبنا وبه فأما منا وبنا فسؤال ذاتي لا يمكن الانفكاك عنه وصورة مفتاح الكرم في مثل هذا وقوفك على علمه بأنه بهذه المثابة وغيرك ممن هو مثلك بجهله ولا يعرفه فتكرم عليك بأن عرفك كيف أنت وما تستحقه ذاتك أن توفي به بما لا يمكن انفكاكها عنه وأما منه وبه فإن سؤال السائل بما هو عارض له أي عرض له ذلك بعد تكوينه وذلك أنه لما كان مظهرا للحق وكان الحق منه هو الظاهر فسأل من جعله مظهرا بلسان الظاهر فيه فهذا سؤال عارض عرض له بعد أن لم يكن فعبر عن مثل هذا السؤال بمفتاح الكرم أي من كرم الله تعالى إن سأل نفسه بنفسه وأضاف ذلك إلى عبده فهو بمنزلة ما هو الأمر عليه بأنه يخلق في عباده طاعته ويثني عليهم بأنهم أطاعوا الله ورسوله وما بأيديهم من الطاعة شئ غير أنهم محل لها سأل إبليس الاجتماع بمحمد صلى الله عليه وسلم فلما أذن له قيل له أصدقه وحفت به الملائكة وهو في مقام الصغار والذلة بين يدي محمد صلى الله عليه وسلم فقال له يا محمد إن الله خلقك للهداية وما بيدك من الهداية شئ وخلقني للغواية وما بيدي من الغواية شئ فصدقه قال تعالى إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وقال فألهمها فجورها وتقواها وقال كل من عند الله وقال ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها ثم أثنى مع هذا عليهم فقال التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر يا ليت شعري ومن خلق التوبة فيهم والعبادة والحمد والسياحة والركوع والسجود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحفظ لحدود الله إلا الله فمن كرمه أنه أثنى عليهم بخلق هذه الصفات والأفعال فيهم ومنهم ثم أثنى عليهم بأن أضاف ذلك كله إليهم إذ كانوا محلا لهذه الصفات المحمودة شرعا أليس هذا كله مفاتيح الكرم فإنه يفتح بها من العطايا الإلهية ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال تعالى تتجافى جنوبهم عن المضاجع يا ليت شعري ومن أقامهم من المضاجع حين نوم غيرهم إلا هو يدعون ربهم خوفا وطمعا يا ليت شعري ومن أنطق ألسنتهم بالدعاء ومن خوفهم وطمعهم إلا هو أترى ذلك من نفوسهم لا والله إلا من مفاتيح كرمه فتح بها عليهم ومما رزقناهم ينفقون فمما رزقهم التجافي عن المضاجع وعن دار الغرور ومما رزقهم الدعاء والابتهال ومما رزقهم الخوف منه والطمع فيه فأنفقوا ذلك كله عليه فقبله منهم فلا تعلم نفس عالمة ما أخفي لهم أي لهؤلاء الذين هم بهذه المثابة من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون فكانت هذه الأعمال عين مفاتيح الكرم لمشاهدة ما أخفي لهم فيهم وفي هذه الأعمال من قرة أعين فكلما هو في خزائن الكرم فإن مفاتيحه تتضمنه فهو فيها مجمل وهو في الخزائن مفصل فإذا فتح بالأعمال تميزت الرتب وعرفت النسب وجاءت كل حقيقة تطلب حقها وكل علم يطلب معلومه (السؤال الحادي والثمانون) على من توزع عطايا ربنا الجواب على من حسن السيرة من الولاة وكل شخص وال بالولاية العامة وهي تولية القلب على القوي المعنوية والحسية في نفسه والولاية كل من له ولاية خارجة عن نفسه من أهل وولد ومملوك وملك فتوزع العطايا على قدر الولاية وقدر ما عاملهم به من حسن السيرة فيهم فإن كان الوالي من العلماء بالله الذين يكون الحق سمعهم وبصرهم فليس له حظ في هذه العطايا فإنها عطايا غني لفقراء وإنما يعطي من هذه صفته عطاء غني لغني ظاهر في مظهر فقير لما أعطى عن فقر ذاتي فأخذ هذا المعطى له من الاسم الله لا من الاسم الرب فما أعظم الغفلة على قلوب العباد هيهات متى تبلغ البشر درجة من لا يوصف بالغفلة وهم الملأ الأعلى الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون في غير ليل ولا نهار يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسامون وكفى بالبشرية نقصا واعلم أن
(٨٩)