الجوع المشروع الاختياري وما لنا طريق إلى الله إلا على الوجه المشروع ولولا إن الله جعل هذا حد المصلحة في عموم خلقه لما وقته إلى هذا القدر فلا يكون الإنسان في الزيادة عليه أعلم بمصالح الجوع في العبد من ربه هذا غاية سوء الأدب فإن كان ممن يطعم ويسقى في مبيته وفنائه ويجد أثر ذلك في قوته وصحة عقله وحفظ مزاجه فليواصل ما شاء فإنه ليس بصاحب جوع وكلامنا في الجوع وإن كان أيضا ممن يستغرقه حال ووارد قوي يحول بينه وبين الطعام كأبي عقال فإن كان صاحب فائدة فهي المطلوب وإن لم يكن فذلك مرض يعرض حاله على الأطباء وما ذلك مطلب القوم وأما جوع الأكابر فجوع اضطرار فإن الذي ينتجه الجوع قد حصل لهم ملكة لا تزول عنهم في حال جوع ولا شبع فلم يبق إلا التقليل ولكن من الحلال إما للنشاط في الطاعات وإما لخفة الحساب فإن النبي ص قال إنكم لتسئلون عن نعيم هذا اليوم ولم يكن سوى تمر وماء وما أدخل نفسه في الجماعة فإن لله عبادا سليمانين يقول الله لهم هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب وهم سبعون ألفا في هذه الأمة قد نعتهم النبي ص والخبر صحيح وعكاشة منهم بالنص عليه فينبغي للصالح السالك أن لا يزيد على الحد المشروع فيكون متبعا فإن ترك العمل بالاتباع أعظم أجرا من العمل بالابتداع فإنا بالاتباع بحكم الأصل فإن وجودنا تبع لوجود من أوجدنا فلتكن أفعال العلماء بهذه المرتبة على ذلك ولما قال ص إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فسدوا مجاريه بالجوع والعطش لم يختلف أحد من العلماء ولا من أهل الله إنه أراد الصوم والتقليل من الطعام في السحور المسنون لمن واصل وفي الإفطار لمن أفطر فإنه قال بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فلا يتعدى المريد الحد الذي سنه من شرع الطريق إلى الله به ولا تعرف قدر ما دللتك عليه إلا في نتيجته إن فتح لك هنا ولا تجع من غير صوم فإنه غير طريق مشروعة ولا تجعل سبب ذلك حديث أجر الصوم فذلك ليس لك إنما هو للعمل ودع النفس ترغب في الأجرة التي لها على ذلك فإن فيها من يطلب ذلك وأنت بالسر الإلهي والروح الأمري بمعزل عن هذا الطلب الذي تطلبه النفس الحيوانية فإنك مجموع ولا تلحق بأهل الغلط من أهل هذه الطريق الذين يجوعون تلامذتهم من غير صوم أو يصومونهم ثم يطعمونهم قبل غروب الشمس ذلك غلط منهم وجهل بطريق الله تعالى وإن كانوا يقصدون بذلك مخالفة النفوس فما هذا موضعه وإنما ينبغي أن يخالفوها في تعيين المأكول على حد مخصوص ووجه معين وميزان مستقيم يعرفه أهل الله فإذا مالت إلى طعام خاص معين عندها حتى لا تكره شيئا من نعم الله ولقد عملت على هذا زمانا حتى طاب لي كل شئ كنت لا أقدر على أكله وتمجه نفسي وكذلك في التقليل منه وهو أشد ما على النفس أن تشرع في الشئ ثم يحال بينها وبين التملي منه والله الموفق لا رب غيره (الباب السابع ومائة في ترك الجوع) الجوع بئس ضجيع العبد جاء به * لفظ النبي فلا ترفع به رأسا قد أدرك القوم في تعيينه غلط * ولم يقيموا له وزنا وقسطاسا من قال ما الجوع لم يعرف حقيقته * وقد أضل بما قد قاله الناسا جوع العوائد محمود ولست أرى * فيما أراه من استعماله بأسا جوع الطبيعة مذموم وليس يرى * فيه المحقق بالرحمن إيناسا ترك الجوع عند القوم ليس الشبع وإنما هو إعطاء النفس حقها من الغذاء الذي جعل الله به صلاح مزاجها وقوام بنيتها فإذا أحس صاحب هذه الحالة بالجوع فذلك جوع العادة خرج أبو بكر البزار في مسنده أن النبي ص كان يتعوذ من الجوع ويقول إنه بئس الضجيع ولا يذم حال يعطي الفوائد فدل أنه لا فائدة في مثل هذا الجوع وأن الفوائد فيما أظهر الشرع ميزانه من ذلك فترك الجوع عبادة وطريق موصلة إلى الله وبهذا فضل سلمان على أبي الدرداء وشهد له بذلك رسول الله ص إن لنفسك عليك حقا ولعينك عليك حقا ولزورك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فقم ونم وصم وأفطر وأعط كل ذي حق حقه فإنك لا تدخل على الحق أبدا ولا حد عليك حق
(١٨٨)