يقول إنه قد يعطي الله ما يشاء من العلوم التي لا تدرك في العقل إلا بالأدلة بغير دليلها لأن المقصود ما هو الدليل وإنما المقصود مدلوله فإذا حصل بوجه من الحق من غير الدليل الذي يرتبط به في النظر العقلي فلا حاجة للدليل إذ قد علمنا أن الدليل يقابل حصول المدلول في النفس وإنهما لا يجتمعان وهذا غلط وإنما الذي لا يجتمع مع المدلول النظر في الدليل لا عين الدليل فإن الناظر في الدليل فاقد واجد ومحصل للمدلول وقد تكون المحاضرة من العبد مع الأسماء الإلهية والكونية من حيث إن الأسماء الكونية قد وسم الحق بها نفسه والأسماء الإلهية قد وسم الكون بها نفسه واستحق الحنابان الأسماء جميعها وهذا مما يقوي حديث خلق العالم على الصورة فإذا حضرت الأسماء الحسنى وأسماء الكون وجرت في ميدان المفاخرة فإن الله يستهزئ بالمنافقين وبأهل الاستهزاء بالجناب الإلهي ويمكر سبحانه بالماكرين ويعجب ممن قهر الطبيعة على قوتها في الحكم وهذا كله سمات المحدثات وقد وسم الحق بها نفسه كما وسمها بكونه قديرا وخلاقا وعليما وغير ذلك فالكل عند طائفة أصل للأصل النسبي الذي أوجد العالم وبعضهم فرق فجعل خلاف الأسماء الحسنى أصلا في الكون منقولا في الجناب الإلهي وحكم هذه المحاضرة في كل شخص بحسب ما يتقوى عنده ويعطيه النظر فتختلف أحوال أهل الله في ذلك وهو قوله إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون والتفكر في ذات الله محال فلا يبقى إلا التفكر في الكون ومتعلق الفكرة الأسماء الحسنى وسمات المحدثات فالأسماء كلها أصل في الكون على هذا النظر فإذا وقف على محاضرة الأسماء ومناظرتها علم من أثر في وجود الكون بعد أن لم يكن هل أثر فيه الحق الوجود أو استعداده أو المجموع هذه فائدة المحاضرة والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثامن والخمسون ومائتان في معرفة اللوامع وهي ما ثبت من أنوار التجلي وقتين وقريبا من ذلك) لمعت أنوار توحيدي * عند تغريدي بتجريدي كلما أبدت لوامعها * أذنت فينا بتحديدي كل محدود يؤول إلى * حل تركيب وتبديد فصله من جنسه علم * ظاهر بنقص توحيدي اللوامع فوق الذوق فإنها تزيد على المبدأ ودون الشرب فإن الشرب قد ينتهي إلى الري وقد لا ينتهي فإذا ثبتت أنوار التجلي وقتين وقريبا من ذلك فهي اللوامع وهذا لا يكون في التجلي الذاتي وإنما يكون في تجلى المناسبات فإذا تجلى في المناسبات دام بقدر ثبوت تلك المناسبة والمناسبات صغيرة الزمان قصيرة في الثبوت لأن الشؤون الإلهية لا تتركها وما سوى الأعيان القائمة بأنفسها أعراض سريعة الزوال وإنما ثبتت وقتين وقريبا من ذلك لأن الوقت الأول لظهورها والوقت الثاني لإفادة ما تعطيه مما لمعت له فإن المحل يدهش عند لمعانها وهو حديث عهد بالتجلي الذي فارقه فتتربص هذه اللوامع حتى يزول الدهش والتعلق بما كان عليه فيقبل ما أتته به هذه اللوامع وأعني بتربصها تواليها فإذا حصل القبول مضى حكمها فزالت وجاء غيرها مثلها أو خلافها وصاحبها أبدا سريع الرجوع إلى عالم الحس ولا ترد هذه اللوامع إلا بعلوم إلهية لا تعلق لها بعلوم الكون فهي إلهية مجردة هذه ميزانها فإن وجد الإنسان علما يكون في حاله فما هي لوامع لأن ضروب التجلي كثيرة متنوعة الحكم فاعلم ذلك والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب التاسع والخمسون ومائتان في معرفة الهجوم والبوادة) فالهجوم ما يرد على قلب بفوت الوقت من غير تصنع منك والبوادة ما يفجأ القلب من الغيب على سبيل الوهلة وهو إما موجب فرح أو ترح نور البوادة فجآت الغيوب على * قلب تقلب في ظلمائه زمنا وواردات هجوم الكشف تورثها * حالا فتلحقه بحالة ألزمنا لو أنها وردت لروح نشأتنا * ما دبرت روحنا نفسا ولا بدنا اعلم أيدنا الله وإياك بروح منه أن البوادة والهجوم والصحو والسكر والذوق والشرب وأمثالها إنما هي واردات الغيب ترد على القلوب فتؤثر فيها أحوالا مختلفة فيمن قامت به ويسمون ذلك الحال بالوارد وليس للعبد تعمل في تحصيل هذه
(٥٥٧)