فالأسماء بنا ولنا ومدارها علينا وظهورها فينا وأحكامها عندنا وغاياتها إلينا وعباراتها عنا وبداياتها منا فلولاها لما كنا ولولانا لما كانت بها بنا وما بنا كما بانت وما بانت فإن خفيت لقد جلت وإن ظهرت لقد زانت انتهى الجزء الثالث والثمانون (بسم الله الرحمن الرحيم) (السؤال الثالث والأربعون) ما الفطرة الجواب النور الذي تشق به ظلمة الممكنات ويقع به الفصل بين الصور فيقال هذا ليس هذا إذ قد يقال هذا عين هذا من حيث ما يقع به الاشتراك فالحمد لله فاطر السماوات والأرض هو قوله الله نور السماوات والأرض والعالم كله سماء وأرض ليس غير ذلك وبالنور ظهرت قوله وبالحق أنزلناه وبالحق نزل والله مظهرها فهو نورها فظهور المظاهر هو الله فهو فاطر السماوات والأرض ففطر السماء والأرض به فهو فطرتها والفطرة التي فطر الناس عليها فكل مولود يولد على الفطرة ألست بربكم قالوا بلي فما فطرهم إلا عليه ولا فطرهم إلا به فبه تميزت الأشياء وانفصلت وتعينت والأشياء في ظهورها الإلهي لا شئ فالوجود وجوده والعبيد عبيده فهم العبيد من حيث أعيانهم وهم الحق من حيث وجودهم فما تميز وجودهم من أعيانهم إلا بالفطرة التي فصلت بين العين ووجودها وهو من أغمض ما يتعلق به علم العلماء بالله كشفه عسير وزمانه يسير (السؤال الرابع والأربعون) لم سماه بشرا الجواب قال تعالى ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي على جهة التشريف الإلهي فقرينة الحال تدل على مباشرة خلقه بيديه بحسب ما يليق بجلاله فسماه بشرا لذلك إذ اليد بمعنى القدرة لا شرف فيها على من شرف عليه واليد بمعنى النعمة مثل ذلك فإن النعمة والقدرة عمت جميع الموجودات فلا بد أن يكون لقوله بيدي أمر معقول له خصوص وصف بخلاف هذين وهو المفهوم من لسان العرب الذي نزل القرآن بلغتهم فإذا قال صاحب اللسان إنه فعل هذا بيده فالمفهوم منه رفع الوسائط فكانت نسبة آدم في الجسوم الإنسانية نسبة العقل الأول في العقول ولما كانت الأجسام مركبة طلبت اليدين لوجود التركيب ولم يذكر ذلك في العقل الأول لكونه غير مركب فاجتمعا في رفع الوسائط وليس بعد رفع الوسائط في التكوين مع ذكر اليدين إلا أمر من أجله سمي بشرا وسرت هذه الحقيقة في البنين فلم يوجد أحد منهم إلا عن مباشرة ألا ترى وجود عيسى عليه السلام لما تمثل لها الروح بشرا سويا فجعله واسطة بينه تعالى وبين مريم في إيجاد عيسى تنبيها على المباشرة بقوله بشرا سويا قال تعالى ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد وبشرة الشئ ظاهره والبشرى إظهار علامة حصولها في البشرة فقوله للشئ كن بالحرفين الكاف والنون بمنزلة اليدين في خلق آدم فأقام القول للشئ مقام المباشر وأقام الكاف والنون مقام اليدين وأقام الواو المحذوفة لاجتماع الساكنين مقام الجامع بين اليدين في خلق آدم وأخفى ذكره كما خفيت الواو من كن غير أن خفاءها في كن لأمر عارض وخفاء الجامع بين اليدين لاقتضاء ما تعطيه حقيقة الفعل وهو قوله ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض وهو حال الفعل لأنه ليس في حقائق ما سوى الله ما يعطي ذلك المشهد فلا فعل لأحد سوى الله ولا فعل عن اختيار واقع في الوجود فالاختيارات المعلومة في العالم من عين الجبر فهم المجبورون في اختيارهم والفعل الحقيقي لا جبر فيه ولا اختيار لأن الذات تقتضيه فتحقق ذلك فلمباشرة الوجود المطلق الأعيان الثابتة لظهور الوجود المقيد سمي الوجود المقيد بشرا واختص به الإنسان لأنه أكمل الموجودات خلقا وكل نوع من الموجودات ليس له ذلك الكمال في الوجود فالإنسان أتم المظاهر فاستحق اسم البشر دون غيره من الأعيان وأما قوله تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم فسمى المكلم هنا بشرا بهذه الضروب كلها من الكلام لما يباشره من الأمور الشاغلة له عن اللحوق برتبة الروح التي له من حيث روحانيته
(٧٠)