وإرادته المقيدتان بلو وهو حرف امتناع فيه سر خفي لأهل العلم بالله فإذا علمت هذا أقمت عذر العالم عند الله ولهذا كانت الملائكة تبدأ في نصرتها ودعائها بتسبيح ربها والثناء عليه بمثل هذه الأسماء تعريضا أن أصل ما هم فيه من حقائق قوله ومن يضلل الله ومن يهد الله أي الكل بيدك وحينئذ يستغفرون إقامة لعذرهم عند الله وإلى الله يرجع الأمر كله فكل علم في العالم مستنبط من العلم الإلهي فهو العلم العام ولا يعرفه إلا نبي أو ولي مقرب مجتبى من ملك وبشر وأما النظر العقلي فإنه لا يصل إلى هذا العلم أبدا من حيث فكره ونظره في الأدلة التي يستقل بها فهذا قد أريتك بعض ما هي عليه الولاية الملكية إلى ما فوق ذلك من تسخيرهم في إنزال الوحي ومصالح العالم من هبوب رياح ونش ء سحاب وإنزال مطر إذ كانوا الصافات والزاجرات والتاليات والمرسلات والناشرات والفارقات والملقيات والنازعات والناشطات والسابحات والسابقات والمدبرات والمقسمات وهؤلاء كلهم من ملائكة التسخير وولاية كل صنف من مرتبته التي هو فيها وأما ملائكة التدبير وهم الأرواح المدبرة أجسام العالم المركب وهذه المدبرة هي النفوس الناطقة فإن الولاية فيها نصرتها لله فيما جعل في أخذها به سعادتها وسعادة جسدها الذي أمرت بتدبيره فيأتي الطبع فيريد نيل غرضه فينظر العقل ما حكم الشرع الإلهي في ذلك الغرض فإن رآه محمودا عند الله أمضاه وإن رآه مذموما نبه النفس عليه وطلب منها النصرة على قمع هذا الغرض المذموم فساعدته فنصرت العقل بقبول الخير وذلك لتكون كلمة الله المشروعة هي العلياء على كلمة الله في الذين كفروا التي هي السفلي كما كانت الصدقة تقع في يد السائل وهي السفلي والسائل قوله وأقرضوا الله والصدقة تقع بيد الرحمن قبل وقوعها بيد السائل المتلفظ بحروف السؤال واليد العلياء هي المنفقة خير من اليد السفلي وهي السائلة والمال لله سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض ونحن مستخلفون فيه بل نحن الخزائن والخزنة لهذا المال فتحقق ما أومأنا إليه في هذا الباب فإنه نافع جدا ومزيل جهلا عظيما ومورث أدبا إلهيا فيه سعادة أبدية لمن وقف عنده وفهمه وعمل به (الباب الخامس والخمسون ومائة في معرفة مقام النبوة وأسرارها) بين الولاية والرسالة برزخ * فيه النبوة حكمها لا يجهل لكنها قسمان إن حققتها * قسم بتشريع وذاك الأول عند الجميع وثم قسم آخر * ما فيه تشريع وذاك الأنزل في هذه الدنيا وأما عند ما * تبدو لنا الأخرى التي هي منزل فيزول تشريع الوجود وحكمه * وهناك يظهر أن هذا الأفضل وهو الأعم فإنه الأصل الذي * لله فهو نبأ الولي الأكمل النبوة نعت إلهي يثبتها في الجناب العالي الاسم السميع ويثبت حكمها صفة الأمر الذي في الدعاء المأمور به وإجابة الحق عباده فيما يسألونه فيه فإنها أيضا من الله في حق العبد سؤال إلهي بصفة افعل ولا تفعل ونقول نحن سمعنا وأطعنا ويقول هو سبحانه سمعت وأجبت فإنه قال أجيب دعوة الداعي إذا دعاني وصيغة الأمر من العبد في الطلب اغفر لنا ارحمنا اعف عنا انصرنا واهدنا ارزقنا وشبه ذلك وصيغة النهي من العبد في الدعاء لا تزع قلوبنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين لا تخزنا يوم القيامة لا تخزني يوم يبعثون وليست النبوة بمعقول زائد على هذا الذي ذكرنا إلا أنه لم يطلق على نفسه من ذلك اسما كما أطلق في الولاية فسمى نفسه وليا وما سمي نفسه نبيا مع كونه أخبرنا وسمع دعاءنا فهو من الوجهين بهذه المثابة ولهذا قال ص إن الرسالة والنبوة قد انقطعت وما انقطعت إلا من وجه خاص انقطع منها مسمى النبي والرسول ولذلك قال فلا رسول بعدي ولا نبي ثم أبقى منها المبشرات وأبقى منها حكم المجتهدين وأزال عنهم الاسم أبقى الحكم وأمر من لا علم له بالحكم الإلهي أن يسأل أهل الذكر فيفتونه بما أداه إليه اجتهادهم وإن اختلفوا كما اختلفت الشرائع لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا وكذلك لكل مجتهد جعل له شرعة من دليله ومنهاجا وهو عين دليله في إثبات الحكم ويحرم عليه العدول عنه وقرر
(٢٥٢)