والسبب فيشكر الله حقيقة ويشكر السبب عن أمر الله عباده من حيث أمرهم بشكره فقال أن اشكر لي ولوالديك وقال لا يشكر الله من لم يشكر الناس فهذا مقام ترك الشكر أي ترك توحيد شكر المنعم الأصلي لأنه شرك في شكره بين المنعم بالأصالة وبين السبب عن أمر الله فإنه مقام صعب غامض أعني ترك الشكر لكون الله اتصف بالشكر وطلب الزيادة مما شكرنا من أجله فالتخلص من ذلك عسير وأما إذا كان مجلاه ووقته أن يكون الحق هو الشاكر والمشكور وسلب الأفعال عن المخلوقين فقد ترك الشكر في حال كونه شاكرا فيرى الحق إما شاكرا مطلقا والعبد لا شكر له ألبتة وإما أن يرى الحق تعالى شاكرا به أي بعبده بما هو العبد عليه من الشكر فهذا تارك للشكر من وجه موصوف بالشكر من وجه وهذا سار في جميع ما يصدر من العبد من الأفعال مشهد عزيز من عين المنة هذه المسألة كانت عندي من أصعب المسائل وما فتح لي فيها بما هو الأمر عليه على القطع الذي لا أشك علما سوى ليلة تقييدي لهذا الباب في هذه المجلدة وهي ليلة السبت السادس من رجب الفرد سنة ثلاث وثلاثين وستمائة فإنه لم يكن تتخلص لي إضافة خلق الأعمال لأحد الجانبين ويعسر عندي الفصل بين الكسب الذي يقول به قوم وبين الخلق الذي يقول به قوم فأوقفني الحق بكشف بصري على خلقه المخلوق الأول الذي لم يتقدمه مخلوق إذ لم يكن إلا الله وقال لي هل هنا أمر يورث التلبيس والحيرة قلت لا قال لي هكذا جميع ما تراه من المحدثات ما لأحد فيه أثر ولا شئ من الخلق فإنا الذي أخلق الأشياء عند الأسباب لا بالأسباب فتتكون عن أمري خلقت النفخ في عيسى وخلقت التكوين في الطائر قلت له فنفسك إذا خاطبت في قولك افعل ولا تفعل قال لي إذا طالعتك بأمر فالزم الأدب فإن الحضرة لا تحتمل المحاققة قلت به وهذا عين ما كنا فيه ومن يحاقق ومن يتأدب وأنت خالق الأدب والمحاققة فإن خلقت المحاققة فلا بد من حكمها وإن خلقت الأدب فلا بد من حكمه قال هو ذلك فاستمع إذا قرئ القرآن وأنصت قلت ذلك لك اخلق السمع حتى أسمع واخلق الإنصات حتى أنصت وما يخاطبك الآن سوى ما خلقت فقال لي ما أخلق إلا ما علمت وما علمت إلا ما هو المعلوم عليه فلله الحجة البالغة وقد أعلمتك هذا فيما سلف فألزمه مشاهدة فليس سواه ترح خاطرك ولا تأمن حتى ينقطع التكليف ولا ينقطع حتى تجوز على الصراط فحينئذ تكون العبادة من الناس ذاتية ليست عن أمر ولا نهي يقتضيه وجوب أو ندب أو حظر أو كراهة والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثاني والعشرون ومائة في معرفة مقام اليقين وأسراره) إن اليقين مقر العلم في الخلد * في كل حال بوعد الواحد الصمد إن اليقين الذي التحقيق حصله * اعكف عليه ولا تنظر إلى أحد فإن تزلزل عن حكم الثبات فما * هو اليقين الذي يقوى به خلدي واليقين هو قوله لنبيه ص واعبد ربك حتى يأتيك اليقين وحكمه سكون النفس بالمتيقن أو حركتها إلى المتيقن وهو ما يكون الإنسان فيه على بصيرة أي شئ كان فإذا كان حكم المبتغي في النفس حكم الحاصل فذلك اليقين سواء حصل المتيقن أو لم يحصل في الوقت كقوله أتى أمر الله وإن كان لم يأت بعد ولكن تقطع النفس المؤمنة بإتيانه فلا فرق عندها بين حصوله وبين عدم حصوله وهو قول من قال لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا مع أن المتيقن ما حصل في الوجود العيني فقال الله لنبيه ولكل عبد يكون بمثابته اعبد ربك حتى يأتيك اليقين فإذا أتاك اليقين علمت من العابد والمعبود ومن العامل والمعمول به وعلمت ما أثر الظاهر في المظاهر وما أعطت المظاهر في الظاهر واعلم أن لليقين علما وعينا وحقا ولكل حق حقيقة وسيرد ذلك في باب له مفرد بعد هذا من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى وإنما جعل له علما وعينا وحقا لأنه قد يكون يقينا ما ليس بعلم ولا عين ولا حق ويقطع به من حصل عنده وهو صاحب يقين لا صاحب علم يقين واختلف أصحابنا في اليقين هل يصح أن يكون يقين أتم من يقين أم لا فإنه روى عن النبي ص أنه قال في عيسى عليه السلام لو ازداد بقينا لمشى في الهواء أشار به إلى ليلة الإسراء وأن باليقين صح له المشي في الهواء وهذا التفسير ليس بشئ فإنه أسرى به ربه ليريه من آياته وبعث إليه بالبراق فكان محمولا في إسراءه
(٢٠٤)