أفوز بعلم الأدب الذي هو جماع الخير فيدخل تحت عموم قوله ويل يومئذ للمكذبين أي يقولون يا ويلتا ويا حسرتا وإن كانوا سعداء فإنه يوم التغابن ومنهم الفجار فإنهم في سجين من السجن وهم الذين حبسوا نفوسهم وسجنوها عن التصرف فيما منعوا من التصرف فيه ولا يقع التفجير إلا في محبوس عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا فهم الفجار جاءوا عيون المعارف التي سدها الله في العموم لكون الفطر أكثرها لا تسعد بتفجيرها لما يؤدي إليه بالنظر الفاسد من الإباحة والقول بالحلول وغير ذلك مما يشقيهم فجاءت هذه الطائفة إلى المعنى ففجرت هذه العيون لأنفسها فشربت من مائها فزادت هدى إلى هداها وبيانا إلى بيانها فسعدت وطالت وعظمت سعادتها فهذا حظ الأولياء من الفجور الذي سموا به فجار أو على هذا الأسلوب نأخذ كل صفة مذمومة بالإطلاق فتقيدها فتكون محمودة ونضع عليك اسما منها كما يسمى صاحب إطلاقها فلتتبع الكتاب العزيز والسنة في ذلك واعمل بحسبها فإنه يعطيك النظر فيها من حيث ما وصف بها الأشقياء ما لا يعطيك من حيث ما وصف بنقيضها الأتقياء فاجعل بالك وهذا كله من بركة أم الكتاب فإنه مثل هذا النظر ما فتح لأمة من الأمم وعصمت فيه إلا لهذه الأمة وأعظم صفة في الذم الشرك ومنهم المشركون بالله قال تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به وكذا هو لأنه لو ستر لم يشرك به وهذا الاسم الله هو الذي وقع عليه الشرك فيما يتضمنه فشاركه الاسم الرحمن قال تعالى قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى فجعل للاسم الله شريكا في المعنى وهو الاسم الرحمن فالمشركون هم الذين وقعوا على الشركة في الأسماء الإلهية لأنها اشتركت في الدلالة على الذات وتميزت بأعيانها بما تدل عليه من رحمة ومغفرة وانتقام وحياة وعلم وغير ذلك وإذ كان للشرك مثل هذا الوجه فقد قرب عليك مأخذ كل صفة يمكن أن تغفر فلا تجزع من أجل الشريك الذي شقي صاحبه فإن ذلك ليس بمشرك حقيقة وأنت هو المشرك على الحقيقة لأنه من شأن الشركة اتحاد العين المشترك فيه فيكون لكل واحد الحكم فيه على السواء وإلا فليس بشريك مطلق وهذا الشريك الذي أثبته الشقي لم يتوارد مع الله على أمر يقع فيه الاشتراك فليس بمشرك على الحقيقة بخلاف السعيد فإنه أشرك الاسم الرحمن بالاسم الله وبالأسماء كلها في الدلالة على الذات فهو أقوى في الشرك من هذا فإن الأول شريك دعوى كاذبة وهذا أثبت شريكا بدعوى صادقة فغفر لهذا المشرك بصدقه فيه ولم يغفر لذلك المشرك لكذبه في دعواه فهذا أولى باسم المشرك من الآخر (السؤال الخامس والخمسون ومائة) ما معنى المغفرة التي لنبينا وقد بشر النبيين بالمغفرة الجواب الغفر الستر فستر عن الأنبياء عليهم السلام في الدنيا كونهم نوابا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكشف لهم عن ذلك في الآخرة إذ قال أنا سيد الناس يوم القيامة فيشفع فيهم صلى الله عليه وسلم أن يشفعوا فإن شفاعته صلى الله عليه وسلم في كل مشفوع فيه بحسب ما يقتضيه حاله من وجوه الشفاعة فبشر النبيين بالمغفرة الخاصة وبشر محمدا صلى الله عليه وسلم بالمغفرة العامة وقد ثبتت عصمته فليس له ذنب يغفر فلم يبق إضافة الذنب إليه إلا أن يكون هو المخاطب والقصد أمته كما قيل إياك أعني فاسمعي يا جارة وكما قيل له فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ومعلوم أنه ليس في شك فالمقصود من هو في شك من الأمة وكذلك لئن أشركت ليحبطن عملك وقد علم أنه لا يشرك فالمقصود من أشرك فهذه صفته فكذلك قيل له ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر وهو معصوم من الذنوب فهو المخاطب بالمغفرة والمقصود من تقدم من آدم إلى زمانه وما تأخر من الأمة من زمانه إلى يوم القيامة فإن الكل أمته فإنه ما من أمة إلا وهي تحت شرع من الله وقد قررنا إن ذلك هو شرع محمد صلى الله عليه وسلم من اسمه الباطن حيث كان نبيا وآدم بين الماء والطين وهو سيد النبيين والمرسلين فإنه سيد الناس وهم من الناس وقد تقدم تقرير هذا كله فبشر الله محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر بعموم رسالته إلى الناس كافة وكذلك قال إنا أرسلناك إلى الناس كافة وما يلزم الناس رؤية شخصه فكما وجه في زمان ظهور جسمه رسوله عليا ومعاذا إلى اليمن لتبليغ الدعوة كذلك وجه الرسل والأنبياء إلى أممهم من حين كان نبيا وآدم بين الماء والطين فدعا الكل إلى الله
(١٣٨)