عليه وسلم بكلام الله وقال تعالى كنت سمعه وبصره ولسانه وهذا من ألطف ما يكون ظهور رب في صورة خلق عن إعلام إلهي لا تعرف له كيفية ولا تنفك عنه بينية فليس كمثله شئ وهو السميع البصير ثم إنه من هذا الباب حنين الأمهات إلى أولادها وعطفها عليهم والحنين إلى الأوطان والشوق إلى الآلاف وهي مناسبات في الجملة بين الأمرين إذا أراد الشخص أن يعرف عللها لم يقدر على ذلك ولكن يقارب إلا من حصل له التعريف الإلهي فذلك عالم بما هو الأمر عليه تلقاه من أصل الوجود بل من عين الوجود إذ الحق هو الوجود ليس إلا (الباب السادس عشر ومائتان في معرفة الفتوح وأسراره) إن الفتوح هو الراحات أجمعها * وهو العذاب فلا تفرح إذا وردا حي ترى عين ما يأتي به فإذا * رأيته فاتخذ ما شئته سندا الريح بشرى من الرحمن بين يدي * ما شاء من رحمة فيها إذا قصدا وقد تكون عذابا ما استعد له * كريح عاد بنقل ثابت شهدا فالمكر منه خفي فاستعد له * عسى تحوز بذاك الفوز والرشدا اعلم أيدنا الله وإياك بما أيد به الخاصة من عباده أن الفتوح عند الطائفة على ثلاثة أنواع النوع الواحد فتوح العبارة في الظاهر قالوا وذلك سببه إخلاص القصد وهو صحيح عندي وقد ذقته وهو قوله عليه السلام أوتيت جوامع الكلام ومنه إعجاز القرآن وقد سألت في الواقعة عن هذه المسألة فقيل لي لا تخبر إلا عن صدق وأمر واقع محقق من غير زيادة حرف أو تزوير في نفسك فإذا كان كلامك بهذه الصفة كان معجزا وأما النوع الثاني من الفتوح فهو فتوح الحلاوة في الباطن قالت الطائفة هو سبب جذب الحق بإعطافه وأما النوع الثالث فهو فتوح المكاشفة بالحق قالت الطائفة هو سبب المعرفة بالحق والجامع لذلك كله إن كل أمر جاءك من غير تعمل ولا استشراف ولا طلب فهو فتوح ظاهرا كان أو باطنا وله علامة في الذائق الفتوح وهي عدم الأخذ من فتوح الغير أو نتائج الفكر ومن شرط الفتوح أن لا يصحبه فكر ولا يكون نتيجة فكر وكان شيخنا أبو مدين يقول في الفتوح أطعمونا لحما طريا كما قال الله تعالى لا تطعمونا القديد أي لا تنقلوا إلينا من الفتوح إلا ما يفتح به عليكم في قلوبكم لا تنقلوا إلينا فتوح غيركم يرفع بهذا همة أصحابه لطلب الأخذ من الله تعالى فاعلموا يا إخواننا أن مقام الفتوح محتاج إلى ميزان حقيقي وهو مقام فيه مكر خفي واستدراج فإن الله قد ذكر الفتح بالبركات من السماء والأرض وذكر الفتح بالعذاب هذا حتى لا يفرح العاقل بالفتح عند فتح الباب حتى يرى ما يفتح له قال بعضهم عند الموت هذا باب كنت أقرعه منذ كذا وكذا سنة هو ذا يفتح لي ولا أدري بما ذا قالت عاد هذا عارض ممطرنا حجبتهم العادة قيل لهم بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم فلا تغتر بالفتح إذا لم تدر ما ثمة وقل رب زدني علما ولما كان الفتح الإلهي على نوعين في العالم فتح عن قرع وفتح ابتداء لا عن قرع فأما فتح القرع فيعلم أهل الله بما ذا يفتح فإن القرع هو دليلهم على ما يفتح به وليس مطلوب القوم بالفتوح هذا النوع وإنما مطلوبهم بالفتوح ما يكون ابتداء من غير تعمل لذلك وإن كان يطلبه العمل من العبد الذي هو عليه بحكم التضمن ولكن ما يخطر للعبد العامل ذلك جملة واحدة فيكون الفتح في حقه إذا ورد ابتداء وإذا ورد الفتح على اختلاف ضروبه كما قررناه تعين على هذا العبد إقامة الوزن بالقسط كما أمره الله في قوله وأقيموا الوزن بالقسط فيقيم الوزن هذا العبد بين حاله الذي هو عليه وبين الفتح فإن كان الفتح مناسبا للحال فهو نتيجة حاله فيقيم عند ذلك وزنا آخر وهو أن ينظر في مقدار الفتح وقوة الحال فإن ساواه فهو نتيجة بلا شك فليحذر هذا العبد مكر الله في هذا الفتح فإنه نتيجة في غير موطنها فربما عجلت له عطيته وانقلب إلى الدار الآخرة صفر اليدين فإن كان الفتح مما يعطي أدبا وترقيا فليس بمكر بل هو عناية من الله تعالى بهذا العبد حيث زاده فتحا يؤديه إلى زيادة خير عند الله تعالى وإن أقام الوزن بين مقدار الفتح وقوة الحال ورأى الفتح فوق الحال فينزل منه مقدار قوة الحال وما زاد فذلك هو الفتوح الذي ذكرته الطائفة هذا أصل ينبغي أن بعلم ويتحقق وله شواهد يعلمها الذائق له وإن لم يدخل الفتح
(٥٠٥)