لا ظهور للألوهية إلا بها ظهرت الإضافات فصار الأمر موقوفا من الطرفين كل طرف على صاحبه فامتنعت الحرية أن تقوم بواحد من المضافين فمن قد قال إن الحق معروف فلا يدري كما من قال إن الحق مجهول فلا يدي فهذا حال الحرية قد استوفيناه مختصرا قريب المأخذ والمتناول (الباب الخامس عشر ومائتان في معرفة اللطيفة وأسرارها) إذا عزت عن الشرح المعاني * فتلك لطائف الرحمان فينا يشاربها إلينا من بعيد * فنحيي من إشارتها سنينا وإن الله يمنحها قلوبا * يهيمها الهوى حينا فحينا وما ذاك الهوى المذموم لكن * هو الحب الذي منه ابتلينا اعلم أيدنا الله وإياك بروح القدس أن أهل الله يطلقون لفظ اللطيفة على معنيين يطلقونه ويريدون به حقيقة الإنسان وهو المعنى الذي البدن مركبه ومحل تدبيره وآلات تحصيل معلوماته المعنوية والحسية ويطلقونه أيضا ويريدون به كل إشارة دقيقة المعنى تلوح في الفهم لا تسعها العبارة وهي من علوم الأذواق والأحوال فهي تعلم ولا تنقال لا تأخذها الحدود وإن كانت محدودة في نفس الأمر ولكن ما يلزم من له حد وحقيقة في نفس الأمر أن يعبر عنه وهذا معنى قول أهل الفهم أن الأمور منها ما يحد ومنها ما لا يحد أي تتعذر العبارة عن إيضاح حقيقته وحده للسامع حتى يفهمه وعلوم الأذواق من هذا القبيل ثم يتوسعون في اللطائف فيسمون كل معنى دقيق عزيز المثال وإن قيل ينفرد به أفراد الرجال لطيفة ومن الأسماء الإلهية الاسم اللطيف ومن حكم هذا الاسم الإلهي إيصال أرزاق العباد المحسوسة والمعنوية المقطوعة الأسباب من حيث لا يشعر بها المرزوق وهو قوله تعالى ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن الاسم اللطيف قوله عليه السلام في نعيم الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فاعلم وفقك الله أن اللطيفة التي تحصل للعبد من الله من حيث لا يشعر إذا أوصلها العبد بهمته لتلميذه أو لمن شاء من عباد الله من حيث لا يشعر ذلك الشخص عن قصد من الشيخ حينئذ يقال فيه إنه صاحب لطيفة ولا يصح هذا إلا للمتخلق بالاسم الإلهي اللطيف فإن وقع الشعور بها فليس بصاحب لطيفة وإن وقع للتلميذ أو للموصل إليه ذلك المعنى أنه وصل إليه من هذا الشيخ عن علم محقق لا عن حسبان ولا حسن ظن ولا تخمين فذلك الشيخ ليس بصاحب لطيفة في تلك المسألة فإنه من شأن صاحب هذا المقام العزة والمنع أن يشعر به إن ذلك من عنده على تفصيل ما وقع منه الإيصال لا على الإجمال كما تعلم أن الرزاق هو الله على الإجمال ولكن ما تعرف كيف إيصال الرزق للمرزوق على التفصيل والتعيين الذي يعلمه الحق من اسمه اللطيف فإن علم فمن حكم اسم آخر إلهي لا من الاسم اللطيف وليس ذلك بلطيفة فلا بد من الجهل بالإيصال ولهذا المعنى سميت حقيقة الإنسان لطيفة لأنها ظهرت بالنفخ عند تسوية البدن للتدبير من الروح المضاف إلى الله في قوله فإذا سويته ونفخت فيه من روحي وهو النفس الإلهي وقد مضى بابه فهو سر إلهي لطيف ينسب إلى الله على الإجمال من غير تكييف فلما ظهر عينه بالنفخ عند التسوية وكان ظهوره عن وجود لا عن عدم فما حدث إلا إضافة التولية إليه بتدبير هذا البدن مثل ظهور الحرف عن نفس المتكلم وأعطى في هذا المركب الآلات الروحانية والحسية لإدراك علوم لا يعرفها إلا بوساطة هذه الآلات وهذا من كونه لطيفا أيضا فإنه في الإمكان العقلي فيما يظهر لبعض العقلاء من المتكلمين أن يعرف ذلك الأمر من غير وساطة هذه الآلات وهذا ضعيف في النظر فإنا ما نعني بالآلات إلا المعاني القائمة بالمحل فنحن نريد السمع والبصر والشم لا الأذن والعين والأنف وهو لا يدرك المسموع إلا من كونه صاحب سمع لا صاحب أذن وكذلك لا يدرك المبصر إلا من كونه صاحب بصر لا صاحب حدقة وأجفان فإذا إضافات هذه الآلات لا يصح ارتفاعها وما بقي لما ذا ترجع حقائقها هل ترجع لأمور زائدة على عين اللطيفة أو ليست ترجع إلا إلى عين اللطيفة وتختلف الأحكام فيها باختلاف المدركات والعين واحدة وهو مذهب المحققين من أهل الكشف والنظر الصحيح العقلي فلما ظهر عين هذه اللطيفة التي هي
(٥٠٣)