فيه توحيد وأعمه المعلوم فنقول المعلومات تنقسم بوجه إلى ثلاثة أقسام إلى واجب وجائز ومستحيل ثم ما من شئ نذكره بعد هذا من موجود ومعدوم وغير ذلك إلا ويقبل القسمة فأين التوحيد في كل مذكور أو معلوم فلم يبق إلا توحيد الكثرة في معلوم معين يسمى الله وهو الذي ينبغي أن يكون على كذا وكذا وتذكر ما لا تصح الألوهية إلا به وحينئذ يصح أن يكون الله ولا يشاركه في هذه الصفات بمجموعها واحد آخر فذلك يعني بقوله واحد بأحدية هذا المجموع مع أحدية العين والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الرابع والسبعون ومائة في معرفة مقام السفر وأسراره) إن السفور دليل الخوف والحذر * هذا هو العرف في الأعراض بالخبر فإن رأيت فتاة الحي قد سفرت * فكن فديتك من هذا على حذر لذا نقول بأن الممكنات على * أصولها ما لها عين من الصور ولا تقل بحلول إنها عدم * وقد يكون لها التكوين في السور قال تعالى في وصف أهل الله السائحون والسياحة الجولان في الأرض على طريق الاعتبار والقربة إلى الله لما في الأنس بالخلق من الوحشة فاعلم أن أهل الله ما طلبوا السياحة في الأرض ولزوم الفقر وسواحل البحار إلا لما غلب عليهم من الأنس بالجنس الذين هم أشكاله من الأناسي وهو وإن كان ذلك الأنس في الظاهر فهو استيحاش في الباطن من حيث لا يشعر طالب السياحة ولا يعلم طالب السياحة أنه ما دعاه إلى ذلك إلا الوحشة إلا بعد وقوفه على ما تنتج له السياحة وذلك أن الله خلق الإنسان الذي هو آدم وكل خليفة على صورته نفى عنه المماثلة فقال إنه ليس كمثله شئ وسرت هذه الحقيقة في الإنسان فإذا جنح إلى الله وتاب استشرفت نفسه على هذه المرتبة أعني نفي المثلية فلما رأى أمثاله من الناس غار أن يكون له مثل كما غار الحق أن يكون ثم من ينسب إليه الألوهية غيره فاستوحش من المخلوقين وطلب الانفراد بذاته من أمثاله حتى لا يبقى له آنس إلا بذاته وحده ولا يرى له مثلا ففر بنفسه إلى الأماكن القاصية عن رؤية أمثاله فلازم الجبال وبطون الأودية وهذه الحالة هي السياحة فأسفرت له هذه السياحة عن مطلوبه فآنس بذاته فذلك تشبهه بمقام قوله لمن الملك اليوم لأنه لم يبق مدع كان يدعي الألوهية موجودا كذلك هذا ما بقي له في الفقر الذي هو فيه من يتسمى بإنسان الذي هو مثله غير الوحش فالوحش وغير الجنس له بمنزلة العالم من الله فلهذا طلب السفر أي المعنى الذي يظهر ما ذكرناه ولهذا المعنى أشار الشبلي حين بات عند بعض إخوانه فسامره الشبلي فقال له صاحبه يا شبلي قم نتعبد فقال له الشبلي العبادة لا تكون بالشركة وكذلك الربوبية لا تكون بالشركة فبقوة الصورة التي خلق الإنسان عليها طلب الفرار من الناس دون غيرهم من المخلوقين ولهذا ما ادعى أحد من الخلق الألوهية إلا هذا الجنس الإنساني فلم يرد السائح أن يرى مثله لهذا الذي ذكرناه هذا مقام هذا السفر وأما السفر في المعقولات بالفكر وفي مراتب المعارف والعلوم فله باب آخر في هذا الكتاب يريد بعد هذا إن شاء الله في باب من أبواب الأحوال فهذه سياحة الخصوص من أهل الله وأما سياحة العموم منهم فسبب سياحتهم قوله تعالى يا عبادي الذين آمنوا أن أرضي واسعة فإياي فاعبدون فنظروا ما هي أرض الله فقالوا كل أرض موات لا يكون عليها ملك لغير الله فتلك أرضه الخاصة به المضافة إليه البريئة من الشركة فيها البعيدة من المعمور فإن الأرض الميتة القريبة من العمران يمكن أن يصل إليها بعض الناس فيحييها فيملكها بإحيائها والبعيدة من العمران سالمة من هذا التخيل فقالوا ما أمرنا الله بالعبادة فيها إلا ولها خصوص وصف وليس فيها من خصوص الأوصاف إلا كونها ليس فيها نفس لغير الله ففيها نفس الرحمن فإذا عبد الإنسان ربه في مثل هذه الأرض وجد أنسا من تلك الوحشة التي كانت له في العمران ووجد لذة وطيبا في قلبه وانفراده وذلك كله من أثر نفس الرحمن الذي نفس الله به عنه ما كان يجده من الغم والضيق والحرج في الأرض المشتركة فهذا الذي أدى العامة من أهل الله إلى السياحة ثم إنهم رأوا في هذه الأرض من الآيات والعجائب والاعتبارات ما دعاهم إلى النظر فيما ينبغي لما لك هذه الأرض فأنار الله قلوبهم بأنوار العلوم وفتح لهم في النظر في الآيات وهي العلامات الدالة على عظمة من
(٢٩٣)