لأنها نسب لا تتصف بالوجود إذ لا عين لها ولها من الحروف حرف الواو ومن المنازل المقدرة الرشاء وهو الحبل الذي للفرع وهذه صورته في الهامش اعلم أن المراتب كلها إلهية بالأصالة وظهرت أحكامها في الكون وأعلى رتبة إلهية ظهرت في الإنسان الكامل فأعلى الرتب رتبة الغني عن كل شئ وتلك الرتبة لا تنبغي إلا لله من حيث ذاته وأعلى الرتب في العالم الغني بكل شئ وإن شئت قلت الفقر إلى كل شئ وتلك رتبة الإنسان الكامل فإن كل شئ خلق له ومن أجله وسخر له لما علم الله من حاجته إليه فليس له غنى عنه والحاجة لا تكون إلا لمن بيده قضاؤها وليس إلا الله الذي بيده ملكوت كل شئ فلا بد أن يتجلى لهذا الإنسان الكامل في صورة كل شئ ليؤدي إليه من صورة ذلك الشئ ما هو محتاج إليه وما يكون به قوامه ولما اتصف الله لعباده بالغيرة أظهر حكمها فأبان لهم أنه المتجلي في صورة كل شئ حتى لا يفتقر إلا إليه خاصة فقال عز وجل يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله فافهم وتحقق ركون الناس إلى صور الأسباب وافتقارهم إليها وأثبت الله افتقار الناس إليه لا إلى غيره ليبين لهم أنه المتجلي في صور الأسباب وأن الأسباب التي هي الصور حجاب عنه ليعلم ذلك العلماء لعلمهم بالمراتب واعلم أن لكل اسم من الأسماء مرتبة ليست للآخر ولكل صورة في العالم رتبة ليست للصورة الأخرى فالمراتب لا تتناهى وهي الدرجات وفيها رفيع وأرفع سواء كانت إلهية أو كونية فإن الرتب الكونية إلهية فما ثم رتبة إلا رفيعة وتقع المفاضلة في الرفعة ومن هنا تعرف مال الثقلين عرفان ذوق فإن ما لهم لا بد أن يكون إلى مرتبة إلهية وما عدا الثقلين فما لهم معروف عند العلماء الإلهيين ومال الثقلين لا يعلم مرتبته إلا الخصوص من العلماء بالله وإنما كان لها الواو لأن الواو لها الستة من مراتب العدد وهي أول عدد كامل والكمال في العالم إنما كان بالمرتبة فأعطيناه الواو ومن المنازل الرشاء وهو الحبل والحبل الوصل وبه يكون الاعتصام كما هو بالله فأنزل الحبل منزلته فلو لا إن رتبة الحبل أعطت ذلك ما ثبت قوله واعتصموا بحبل الله كما قال واعتصموا بالله فافهم أين جعل رتبة الحبل وبأي اسم قرنه وإلى أي اسم أضافه واعلم أنه لولا الصور ما تميزت الأعيان ولولا المراتب ما علمت مقادير الأشياء ولا كانت تنزل كل صورة منزلتها كما قالت عائشة أنزلوا الناس منازلهم وبالرتبة علم الفاضل والمفضول وبها ميز بين الله والعالم وبها ظهرت حقائق ما هي عليه الأسماء الإلهية من عموم التعلق وخصوصه فلنذكر في هذا الفصل مناسبة الأسماء الإلهية التي ذكرناها للحروف التي عيناها والمنازل التي أوردناها ليرتبط الكل بعضه ببعضه فكما جمع العماء صور الموجودات الذي هو النفس الإلهي كذلك جمع الحروف النفس الإنساني كما جمع الفلك المنازل المقدرة لنزول الدراري فيها المبينة مقادير البروج في الفلك الأطلس فنقول إني ما قصدت بهذا المساق ترتيب إيجاد العالم وإنه وجد هذا بعد هذا فإن ترتيب إيجاد العالم قد ذكرناه في هذا الكتاب وإنه على خلاف ما يقوله حكماء الفلاسفة وإنما قصدنا معرفة ما أثرت الأسماء الإلهية في الممكنات في ممكن ممكن منها سواء تقدم على المذكور قبله أو تأخر ورتبة الموجودات على ما هي الآن عليه في وصفها وتقييدها وذكرنا المنازل على ما هي الآن عليه في وضعها وترتيب الحروف على مخارجها ولا يلزم من هذا ترتيبها في الكلمات المؤلفة منها فقد تكون الكلمة الأولى من حروف الوسط مثل كلمة كن وقبلها حروف مخارجها متقدمة عليها فتنظر الاسم الإلهي الذي يقتضي أن يكون له الأثر في العالم ابتداء فتجده البديع لأنه لم يتقدم العالم عالم يكون هذا على مثاله فالبديع له الحكم في ابتداء العالم على غير مثال وليس المبدئ كذلك والمعيد يطلب المبدئ ما يطلب البديع والبديع له الحكم في النشأة الآخرة فينا كما كان له الحكم في النشأة الدنيا فإنها على غير مثال هذه النشأة وهو قوله تعالى ولقد علمتم النشأة الأولى يعني أنها كانت على غير مثال سبق وقال كما بدأكم تعودون أي على غير مثال فالبديع حيث كان حكمه ظاهر نفي المثال وما انتفى عنه المثال فهو أول فأعطيناه أول الزمان اليومي وهو الذي ظهر بوجود الشمس في الحمل وأوله الشرطين وأعطيناه من الحروف الهاء فإنها أول حرف ظهر في المخرج الأول والاسم أعطى العين الموجودة والعين الموجودة ظهر بها الزمان الذي هو مقارنة حادث لحادث يسأل عنه بمتى فإن كان الموجود ذا نفس في مادة أعطى الحرف وترتيب المنازل بحلول الشمس لإظهار أعيان الفصول التي بها قوام المولدات فالحروف تحكم على الكلمات والكواكب تحكم على فصول الزمان والأسماء تحكم في الموجودات والأعيان مقسمة بين فاعل ومنفعل فإذا فهمت هذا نسبت كل
(٤٦٩)