على نفسه ليأنس العبد بما أوجبه الحق عليه من طاعته ليسارع بأداء ما وجب عليه فإذا حصل العبد في هذا المقام فليس وراءه مرمى لرام ويعلم أن الله قد أراد أن ينقله من عالم شهادته إلى عالم غيبه ليكون له غيبه شهادة في موطن آخر غير هذا الموطن له حكم آخر وهو الموطن الذي تكون فيه المظاهر الإلهية وهو أوسع المواطن فلهذا عبر عن هذا المنزل بالأجل المسمى لأنه أجل البعث إليه من عالم الشهادة المقيد بالصورة التي لا تقبل التحول في الصور لكن تقبل التغيير وهو زوال عينها بغيرها لذلك الغيب الذي كانت به فيدبر الروح الغيبي صورة ذلك الغير فلهذا قلنا يقبل التغيير ولا يقبل التحويل فإن الحقائق لا تتبدل فانتقاله إلى موطن التحول في الصور يسمى أجلا مسمى أي معلوم النهاية وكان من المقام الموسوي دون غيره لأنه لم يرد في الخبر أنه عليه السلام رأى في إسراءه من جمع بين صورتين سوى موسى عليه السلام فرآه في السماء وكان بينهما ما كان وهو في قبره يصلي والنبي يراه صلى الله عليه وسلم عليهما في الحالتين معا ولا يقال في مثل هذا الكشف إن الآن لا يتسع لأمرين متعارضين في الشخص الواحد فصحيح ما يقول ولكن أين الآن هنا إنما ذلك لمن تقيد بالزمان وتعين بالمكان فإذا كان الموجود لا يتقيد بالزمان ولا بالمكان فلا يستحيل هذا الوصف عليه وإذا فهمت ما أشرنا إليه لم بعارض ما ذهبنا إليه وذكرناه كون الإسراء وقع بالليل وهو الزمان وكون موسى عليه السلام في القبر والسماء وهما المكان فإنك أنت تسلم من مذهبك إن الجسم لا يكون في مكانين وأنت تؤمن بهذا الحديث فإن كنت مؤمنا فقلد وإن كنت عالما فلا تعترض فإن العلم يمنعك وليس لك الاختيار فإنه لا يختبر إلا الله ولا تتأول أن الذي في الأرض غير الذي في السماء فإن النبي عليه السلام ما قال رأيت روح موسى ولا جسد موسى وإنما قال رأيت موسى في السماء ومعلوم أنه مدفون في الأرض وكذلك سائر من رآه من الأنبياء عليهم السلام فالمسمى موسى إن لم يكن عينه فالإخبار عنه كذب إنه موسى هذا وأنت القائل رأيتك البارحة في النوم وأنت تقول كذا وكذا والمرئي معلوم أنه كان في منزله على حالة غير الحال التي رآه عليها أو عليها ولكن في موطن آخر ولا تقول له رأيت غيرك ثم تنكر علينا مثل هذا وإنما تختلف الحضرات والمواطن وتختلف الأحوال والعين واحدة فهذا قد ذكرنا بعض ما يحوي عليه هذا المنزل وسكتنا عن بيوته وخزائنه فما من منزل إلا وله بيوت وخزائن وأقفال ومفاتيح ولكن يطول ذكرها في كل منزل وربما إذا بيناها يدعيها الكاذب والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وفي هذا المنزل علم إتيان المعاني في الصور وعلم الفتوح وله باب قد تقدم وعلم الوافدين على الحق وعلم التنزيه وعلم الستر والتجلي وعلم الرجوع الإلهي على من يرجع هل يرجع على عباده أو على أسمائه (الباب الخامس والسبعون ومائتان في معرفة منزل التبري من الأوثان من المقام الموسوي وهو من منازل الأمر السبعة) منازل الأمر بالنداء * منازل ما لها انتهاء * يا أي يا أي لا تفارق * فكونكم ما له انقضاء وأي أي يكون منه * لوجهه بيننا رآء * عساكر للحروف جاءت * يضيق عن حملها الفضاء أرماحها كلها نجوم * أيدها الأمر والقضاء * سفائن بحرها عميق * قد مخرت ريحها رخاء فلتلتزم يا أخي * علما ضاق له الأرض والسماء * ولتترك الغير في عماه * بمشهد ما هو العماء اعلم أن الذلة والافتقار لا تكون من الكون إلا لله تعالى فكل من تذلل وافتقر إلى غير الله تعالى واعتمد عليه وسكن في كل أمره إليه فهو عابد وثن وذلك المفتقر إليه يسمى وثنا ويسميه المفتقر إلها وألطف الأوثان الهواء وأكثفها الحجارة وما بينهما ولهذا قال المشركون لما دعوا إلى توحيد الإله في ألوهته أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب فالناس يحملون قوله إن هذا لشئ عجاب إنه من قول الكفار حيث دعاهم إلى توحيد إله وهم يعتقدون كثرتها وهو عندنا من قول الحق أو قول الرسول وأما قول الكفار فانتهى في قوله إلها واحدا والتعجب إنه يأول العقل يعلم الإنسان أن الإله لا يكون بجعل جاعل فإنه إله لنفسه ولهذا وقع التوبيخ بقوله تعالى أتعبدون ما تنحتون والإله في ضرورة العقل لا يتأثر وقد كان هذا خشبة يلعب بها أو حجرا يستجمر به ثم أخذه وجعله إلها يذل ويفتقر إليه ويدعوه خوفا وطمعا فمن مثل
(٥٩٠)