ولم يبلغ مبلغ العلو على الآخر كان الحكم للمنحرف إلى العلو فإن كان ماء المرأة حاض الخنثى ولم يمن وإن كان ماء الرجل أمنى ولم يحض فسبحان القدير الخلاق العليم وهذا من أعجب البرازخ في الحيوان ذلك لتعلموا أن الله على كل شئ قدير وأن الله قد أحاط بكل شئ علما ويكفي علم هذا القدر من هذا المنزل فإنه يتضمن مسائل كثيرة أكثرها في تولد العالم الطبيعي بين حركات الأفلاك وتوجهاتها وتوجهات كواكبها بأشعة النور وبين قبول العناصر والمولدات لآثار تلك الأنوار فيظهر من تلك الأحكام إيجاد الأعيان والمراتب والأحوال وهذا علم كبير طويل ويتعلق بهذا المنزل علم الابتلاء في غير موطن التكليف ويتضمن علم الديوان الإلهي ويتضمن علم وجوب الكلمة الإلهية التي لا تتبدل ويتضمن علم أنه ما في العالم باطل ولا عبث وإنه حق كله بما فيه من الحق والباطل ويتضمن لما ذا أخر الله غالبا العقوبات إلى الدار الآخرة في حق الأكثرين وعجلها في حق آخرين وهو المعبر عنه بإنفاذ الوعيد وهو خبر والخبر الذي لا يتضمن حكما لا يدخله النسخ فقد ينفذ ما أوعد به لمن خالفه لأنه لم يخص بإنفاذه دارا من دار بل قال في الدنيا ليذيقهم بعض الذي عملوا وهو من جملة إنفاذ الوعيد فالذاهبون إلى القول بإنفاذ الوعيد مصيبون ولكن إنفاذه حيث يعينه الحق تعالى فإذا أنفذه في الدنيا بمرض وألم نفسي أو حسي يدخله على هذا المستحق بالوعيد كان ذلك سترا له عن عقوبة الآخرة فهو المعبر عن ذلك هنا بالمغفرة أي لا يؤاخذ بها في الآخرة وهذه أحوال أكثر السعداء والسعداء الذين لا تهمهم النار ولا يحزنهم الفزع الأكبر الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ولهذا عظم ابتلاء النفوس والبلاء المحسوس في الأمثال من الناس كالأنبياء والذين يأمرون بالقسط من الناس من رد الحق في وجوههم وما يسمعون من الكفرة مما يتأذون به في نفوسهم وقد أخبر الله بذلك وكذلك ما سلط عليهم من القتل والضرب كل ذلك من إنفاذ الوعيد لخطرات وحركات تقتضيها البشرية والطبع مما لا يليق بالمنصب الذي هم فيه لكن هو لائق بالبشر ومن هنا يعرف قول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقد قرر الذنب وأوقع المغفرة وأفهم من ذلك عباده أنه لا يعاقبهم في الآخرة وما علق المغفرة بالدنيا لما فيها من الآلام والأمراض النفسية والحسية وهو عين إنفاذ الوعيد في حقهم ويصح قول المعتزلي في هذه المسألة مسألة إيلام البرئ فإن الأشعري يجوز ذلك على الله ولكن ما كل جائز واقع وكل ما يحتجون به على المعتزلة فليس هو بذلك الطائل والانفصال عنه سهل وليس هذا الكتاب موضع إيراد هذا العلم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب التاسع والتسعون ومائتان في معرفة منزل عذاب المؤمنين من المقام السرياني في الحضرة المرادية المحمدية) إن البروج منازل لمنازل * قد هيئت للسبعة الأنوار فإذا مشت بالعدل في أفلاكها * تبدو لعينك أعين الأغيار فالحق يجري في المنازل حكمه * والكون في الأكوار والأدوار والخلق من تحت المنازل ظاهر * والأمر من فوق المنازل جاري فيقال في لغة الكيان بأنه * أمر تصرفه يد الأقدار والكف والقلم العلي مخطط * في اللوح ما يبدو من الأسرار اعلم وفقنا الله وإياك أن هذا المنزل من أعظم المنازل الذي تخافه الشياطين النارية لقوة سلطانه عليهم وهو منزل عال يتضمن علوما جمة اعلم أن الروح الإنساني لما خلقه الله خلقه كاملا بالغا عاقلا عارفا مؤمنا بتوحيد الله مقرا بربوبيته وهو الفطرة التي فطر الله الناس عليها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة وأبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه فذكر الأغلب وهو وجود الأبوين فإنه قد يكون يتيما فالذي يربيه هو له بمنزلة أبويه فالروح ليس له كمية فيقبل الزيادة في جوهر ذاته بل هو جوهر فرد لا يجوز أن يكون مركبا إذ لو كان كذلك لجاز أن يقوم بجزء منه علم بأمر ما وبالجزء الآخر جهل بذلك الأمر عينه فيكون الإنسان عالما بما هو به جاهل وهذا محال فتركيبه في جوهره محال فإذا كان هكذا فلا يقبل الزيادة ولا النقصان كما يقبله الجسم لعدم التركيب ولولا ما هو عاقل بذاته وهو عقل لنفسه ما أقر بربوبية خالقه عند أخذ الميثاق منه بذلك إذ لا يخاطب الحق إلا من يعقل عنه خطابه هذا هو حقيقة
(٦٩٠)