رزق الفهم عنه تعالى وعرفه فذلك المحدث وهو من أهل الحديث وعلم أن كل ما سمعه حديث بلا شك وإن اختلفت ألقابه كالسمر والمناجاة والمناغاة والإشارات فالكلام كله حادث قديم حادث في السمع قديم في السمع فافهم (السؤال السادس والخمسون) ما الوحي الجواب ما تقع به الإشارة القائمة مقام العبارة من غير عبارة فإن العبارة تجوز منها إلى المعنى المقصود بها ولهذا سميت عبارة بخلاف الإشارة التي هي الوحي فإنها ذات المشار إليه والوحي هو المفهوم الأول والإفهام الأول ولا أعجل من أن يكون عين الفهم عين الإفهام عين المفهوم منه فإن لم تحصل لك هذه النكتة فلست صاحب وحي ألا ترى أن الوحي هو السرعة ولا سرعة أسرع مما ذكرناه فهذا الضرب من الكلام يسمى وحيا ولما كان بهذه المثابة وأنه تجل ذاتي لهذا ورد في الخبر أن الله إذا تكلم بالوحي كأنه سلسلة على صفوان صعقت الملائكة ولما تجلى الرب للجبل تدكدك الجبل وهو حجاب موسى فإنه كان ناظرا إليه طاعة لأمر الله فلاح له عند تدكدك الجبل الأمر الذي جعل الجبل دكا فخر موسى صعقا حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ما ذا قال القائل ربكم قالت الملائكة الحق قالت الحقيقة وهو العلي الكبير هذه النسبة من حيث هويته فالوحي ما يسرع أثره من كلام الحق تعالى في نفس السامع ولا يعرف هذا إلا العارفون بالشئون الإلهية فإنها عين الوحي الإلهي في العالم وهم لا يشعرون فافهم وقد يكون الوحي إسراع الروح الإلهي الأمري بالإيمان بما يقع به الإخبار والمفطور عليه كل شئ مما لا كسب له فيه من الوحي أيضا كالمولود يتلقى ثدي أمه ذلك من أثر الوحي الإلهي إليه كما قال ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون وقال تعالى وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون فلو لا ما فهمت من الله وحيه لما صدر منها ما صدر ولهذا لا يتصور المخالف إذا كان الكلام وحيا فإن سلطانه أقوى من أن يقاوم وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم وكذا فعلت ولم تخالف مع أن الحالة تؤذن أنها ألقته في الهلاك ولم تخالف ولا ترددت ولا حكمت عليها البشرية بأن إلقائه في اليم في تابوت من أخطر الأشياء فدل على أن الوحي أقوى سلطانا في نفس الموحى إليه من طبعه الذي هو عين نفسه قال تعالى ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وحبل الوريد من ذاته فيا أيها الولي إذا زعمت أن الله أوحى إليك فانظر في نفسك في التردد أو المخالفة فإن وجدت لذلك أثرا بتدبير أو تفصيل أو تفكر فلست صاحب وحي فإن حكم عليك وأعماك وأصمك وحال بين فكرك وتدبيرك وأمضى حكمه فيك فذلك هو الوحي وأنت عند ذلك صاحب وحي وعلمت عند ذلك أن رفعتك وعلو منصبك أن تلحق بمن تقول إنه دونك من حيوان ونبات وجماد فإن كل ما سوى مجموع الإنسان مفطور على العلم بالله إلا مجموع الإنسان والجان فإنه من حيث تفصيله مفطور على العلم بالله كسائر ما سواهما من المخلوقات من ملك ونبات وحيوان وجماد فما من شئ فيه من شعر وجلد ولحم وعصب ودم وروح ونفس وظفر وناب إلا وهو عالم بالله تعالى بالفطرة بالوحي الذي تجلى له فيه وهو من حيث مجموعيته وما لجمعيته من الحكم جاهل بالله حتى ينظر ويفكر ويرجع إلى نفسه فيعلم أن له صانعا صنعه وخالقا خلقه فلو أسمعه الله نطق جلده أو يده أو لسانه أو رجله لسمعه ناطقا بمعرفته بربه مسبحا لجلاله ومقدسا يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا فالإنسان من حيث تفصيله عالم بالله ومن حيث جملته جاهل بالله حتى يتعلم أي يعلم بما في تفصيله فهو العالم الجاهل فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين فالإنسان من حيث تفصيله صاحب وحي ومن حيث جملته لا يكون في كل وقت صاحب وحي (السؤال السابع والخمسون) ما الفرق بين النبيين والمحدثين الجواب التكليف فإن النبوة لا بد فيها من علم التكليف ولا تكليف في حديث المحدثين جملة ورأسا هذا إن أراد أنبياء الشرائع فإن أراد أصحاب النبوة المطلقة فالمحدثون أصحاب جزء منها فالنبي الذي لا شرع له فيما يوحى إليه به هو رأس الأولياء وجامع المقامات مقامات ما تقضيه الأسماء الإلهية مما لا شرع فيه من شرائع أنبياء التشريع الذين يأخذون بوساطة الروح الأمين من عين الملك والمحدث ما له سوى الحديث وما ينتجه من الأحوال والأعمال والمقامات فكل نبي محدث وما كل محدث نبي
(٧٨)