اللفظ واحد وهو المشهود والقصد غيب والأولى أن تحسن الظن بمن يتجمل فإنك مندوب إليه وسوء الظن أنت مأمور باجتنابه في حق المسلمين ولهذا فسر النبي صلى الله عليه وسلم كلامه للرجلين في اعتكافه حين انقلب يشيع صفية إني خشيت أن يقذف الشيطان فما أساء الظن إلا بأهله وهو الشيطان فينبغي لك إذا سمعت من يقول كلمة هي في القرآن كما قلنا فيمن سمع من يقول الحمد لله رب العالمين أن تسمعها تلاوة قرآنية وإن لم يقصدها قائلها فإنك تؤجر أجر من سمع القرآن ولا بد وهذا مشهد عزيز قل أن ترى له ذائقا وهو قريب سهل لا كلفة فيه وأما قوله أفمن زين له سوء عمله فمن قوله سوء عمله عرفت من زينه وإن لم يذكره ومع هذا فالاحتمال لا يرتفع عنه فإن الله يقول في مثل هذا زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون فجاء بنون الكناية عن نفسه ونسب الحيرة إليهم بهذا التزيين فمثل هذا إذا لم يبين الله له في كشفه لمن هو هذا التزيين يقبله على مراد الله فيه من غير تعيين فيكون جزاؤه على الله من غير تعيين عندنا وإن كان معينا عند الله فإنه عند الله أيضا لا معين فإنا لم نعينه فهو يعلمه معينا لا معينا بنسبتين مختلفتين فافهم ذلك انتهى الجزء الثاني والتسعون (بسم الله الرحمن الرحيم) (الباب الثامن والسبعون في معرفة الخلوة) خلوت بمن أهوى فلم يك غيرنا * ولو كان غيري لم يصح وجودها إذا أحكمت نفسي شروط انفرادها * فإن نفوس الخلق طرا عبيدها ولو لم يكن في نفسها غير نفسها * لجادت بها جودا على من يجيدها اعلم وفقنا الله وإياكم أن الخلوة أصلها في الشرع من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه فهذا حديث إلهي صحيح يتضمن الخلوة والجلوة وأصل الخلوة من الخلأ الذي وجد فيه العالم فمن خلا ولم يجد فما خلا * فهي طريق حكمها حكم البلا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الله ولا شئ معه وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه قال كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء ثم خلق الخلق وقضى القضية وفرع من أشياء وهو كل يوم في شأن وسيفرغ من أشياء ثم يعمر المنازل بأهلها إلى الأبد الخلوة أعلى المقامات وهو المنزل الذي يعمره الإنسان ويملئوه بذاته فلا يسعه معه فيه غيره فتلك الخلوة ونسبتها إليه ونسبته إليها نسبة الحق إلى قلب العبد الذي وسعه ولا يدخله وفيه غير بوجه من الوجوه الكونية فيكون خاليا من الأكوان كلها فيظهر فيه بذاته ونسبة القلب إلى الحق أن يكون على صورته فلا يسع فيه سواه وأصل الخلوة في العالم الخلأ الذي ملأه العالم فأول شئ ملأه الهباء وهو جوهر مظلم ملأ الخلأ بذاته ثم تجلى له الحق باسمه النور فانصبغ به ذلك الجوهر وزال عنه حكم الظلمة وهو العدم فاتصف بالوجود فظهر لنفسه بذلك النور المنصبغ به وكان ظهوره به على صورة الإنسان وبهذا يسميه أهل الله الإنسان الكبير وتسمى مختصره الإنسان الصغير لأنه موجود أو دع الله فيه حقائق العالم الكبير كلها فخرج على صورة العالم مع صغر جرمه والعالم على صورة الحق فالإنسان على صورة الحق وهو قوله إن الله خلق آدم على صورته ولما كان الأمر على ما قررناه لذلك قال تعالى لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون لكن يعلم القليل من الناس فالإنسان عالم صغير والعالم إنسان كبير ثم انفتحت في العالم صور الأشكال من الأفلاك والعناصر والمولدات فكان الإنسان آخر مولد في العالم أوجده الله جامعا لحقائق العالم كله وجعله خليفة فيه فأعطاه قوة كل صورة موجودة في العالم فذلك الجوهر الهبائي المنصبغ بالنور هو البسيط وظهور صور العالم فيه هو الوسيط والإنسان الكامل هو الوجيز قال تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم ليعلموا أن الإنسان عالم وجيز من العالم يحوي على الآيات التي في العالم فأول ما يكشف لصاحب الخلوة آيات العالم قبل آيات نفسه لأن العالم قبله كما قال تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق
(١٥٠)