فكل رسول لا بد أن يكون وليا فالرسالة خصوص مقام في الولاية والرسالة في الملائكة دنيا وآخرة لأنهم سفراء الحق لبعضهم وصنفهم ولمن سواهم من البشر في الدنيا والآخرة والرسالة في البشر لا تكون إلا في الدنيا وينقطع حكمها في الآخرة وكذلك تنقطع في الآخرة بعد دخول الجنة والنار نبوة التشريع لا النبوة العامة وأصل الرسالة في الأسماء الإلهية وحقيقة الرسالة إبلاغ كلام من متكلم إلى سامع فهي حال لا مقام ولا بقاء لها بعد انقضاء التبليغ وهي تتجدد وهو قوله ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث فالإتيان به هو الرسالة وحدوث الذكر عند السامع المرسل إليه هو الكلام المرسل به وقد يسمى الكلام المرسل به رسالة وهو علم يوصله إلى المرسل إليه ولهذا ظهر علم الرسالة في صورة اللبن والرسل هو اللبن لكن للرسالة مقام عند الله منه يبعث الله الرسل فلهذا جعلنا للرسالة مقاما وهو عند الكرسي ذلك هو مقام الرسالة ونبوة التشريع وما فوق ذلك فنبوة لا رسالة فالرسل لا يفضل بعضهم بعضا من حيث ما هم رسل وإنما فضل الله بعض الرسل على بعض وبعض النبيين على بعض وما من جماعة يشتركون في مقام إلا وهم على السواء فيما اشتركوا فيه ويفضل بعضهم بعضا بأحوال أخر ما هي عين ما وقع فيه الاشتراك وقد يكون ما يقع به المفاضلة يؤدي إلى التساوي وهو مذهب أبي القاسم بن قسي من الطائفة ومن قال بقوله فيكون كل واحد من الرسل فاضلا من وجه مفضولا من وجه فيفضل الواحد منهم بأمر لا يكون عند غيره ويفضل ذلك المفضول بأمر ليس عند الفاضل فيكون المفضول من ذلك الوجه الذي خص به يفضل على من فضله وعندنا قد لا يكون التساوي ويجمع لواحد جميع ما عند الجماعة فيفضل الجماعة بجمع ما فضل به بعضهم على بعض لا بأمر زائد فهو أفضل من كل واحد واحد ولا يفاضل فيكون سيد الجماعة بهذا المجموع فلا ينفرد في فضله بأمر ليس عند آحاد الجنس هكذا هو في نفس الأمر في كل جنس فلا بد من إمام في كل نوع من رسول ونبي وولي ومؤمن وإنسان وحيوان ونبات ومعدن وملك وقد نبهنا على ذلك قبل هذا في الاختيارات فمقام الرسالة الكرسي لأنه من الكرسي تنقسم الكلمة الإلهية إلى خبر وحكم فللأولياء والأنبياء الخبر خاصة ولأنبياء الشرائع والرسل الخبر والحكم ثم ينقسم الحكم إلى أمر ونهي ثم ينقسم الأمر إلى قسمين إلى مخير فيه وهو المباح وإلى مرغب فيه ثم ينقسم المرغب فيه إلى قسمين إلى ما يذم تاركه شرعا وهو الواجب والفرض وإلى ما يحمد بفعله وهو المندوب ولا يذم بتركه والنهي ينقسم قسمين نهي عن أمر يتعلق الذم بفاعله وهو المحظور ونهي يتعلق الحمد بتركه ولا يذم بفعله وهو المكروه وأما الخبر فينقسم قسمين قسم يتعلق بما هو الحق عليه وقسم يتعلق بما هو العالم عليه والذي يتعلق بما هو الحق عليه ينقسم قسمين قسم يعلم وقسم لا يعلم فالذي لا يعلم ذاته والذي يعلم ينقسم قسمين قسم يطلب نفي المماثلة وعدم المناسبة وهو صفات التنزيه والسلب مثل ليس كمثله شئ والقدوس وشبه ذلك وقسم يطلب المماثلة وهو صفات الأفعال وكل اسم إلهي يطلب العالم وهذه الأقسام كلها مجموع الرسالة وبه أتت الرسل والرسالة إذا ثبتت وثبت أنها اختصاص إلهي غير مكتسبة يثبت بها كون الحق متكلما أي موصوفا بالكلام فإنه مبلغ ما قيل له قل ولو كان مبلغا ما عنده أو ما يجده من العلم في نفسه لم يكن رسولا ولكان معلما فكل رسول معلم وما كل معلم رسول وما سميت رسالة إلا من أجل هذه الأقسام التي تحتوي عليه ولولا هذه الأقسام لم تكن رسالة لأن الأمر الواحد من غير معقولية سواه لا تقع الفائدة بتبليغه عند المرسل إليه لأنه لا يعقله ولهذا لا يعقل الذات الإلهية لأنها لا سوى لها ولا غير وتعقل الألوهية والربوبية لأن سواها المألوه والمربوب فتنبه لما أشرنا إليه تعثر على العلم المخزون والمرسلات عرفا تنبيه على التتابع والكثرة والتاليات يتلو بعضها بعضا فالرسالة يتلو بعضها بعضا ولهذا انقسمت والله الهادي (الباب التاسع والخمسون ومائة في مقام الرسالة البشرية) إن الرسول لسان الحق للبشر * بالأمر والنهي والإعلام والعبر هم أذكياء ولكن لا يصرفهم * ذاك الذكاء لما فيه من الغرر ألا تراهم لتابير النخيل وما * قد كان فيه على ما جاء من ضرر هم سالمون من الأفكار إن شرعوا * حكما بحل وتحريم على البشر
(٢٥٧)