تترى ولا يقع فيها تفاضل وإنما التفاضل بين المرسلين لا من كونهم مرسلين بل من مقام آخر ولا يشترط على الرسول فيها إقامة الدليل للمرسل إليه بل لها الجبر ولهذا مع وجود الدليل ما نجد وقوع الايمان في محل المرسل إليه من كل أحد بل من بعضهم فلو كان لنفس الدليل لعم ونراه يوجد ممن لم ير دليلا فدل أن الايمان نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده لا لعين الدليل فلهذا لم نشترط فيه الدليل فالإيمان علم ضروري يجده المؤمن في قلبه لا يقدر على دفعه وكل من آمن عن دليل فلا يوثق بإيمانه فإنه معرض للشبه القادحة فيه لأنه نظري لا ضروري وقد نبهتك في هذا على سر غامض لا يعرفه كل أحد ولا تشترط أيضا في حقه العصمة إلا فيما يبلغه عن الله خاصة ويلزمه تبيين ما جاء به حتى يفهم عنه لإقامة الحجة على المبلغ إليه فإن عصم من غير هذا فمن مقام آخر وهو أن يخاطب العباد المرسل إليهم بالتأسي به فيكون التأسي به أصلا فإن انفرد بأمر لزمه أن يبينه لا بد من ذلك كما قال في نكاح الهبة خالصة لك من دون المؤمنين ومن شرط صاحب هذا المقام طهارة القلب من الفكر فله الراحة فإنه لا يشرع إلا ما يوحى به إليه وأما مشورته لأصحابه ففي غير ما شرع له وليس للرسول من حيث رسالته المشاورة فإذا انضاف إلى رسالته أن تكون جامعة فلمقام الخلافة المشورة ولما كان رسول الله ص من الخلفاء قيل له وشاورهم في الأمر فينبغي لك أن تعرف الفرق بين الخلافة والرسالة (الباب الستون ومائة في معرفة الرسالة الملكية) تنزلت الأملاك ليلا على قلبي * ودارت عليه مثل دائرة القلب حذارا من إلقاء اللعين إذا يرى * نزول علوم الغيب عينا على قلب وذلك حفظ الله في مثل طورنا * وعصمته في المرسلين بلا ريب فنحن وإياهم مصانون بالحمى * تخاطبنا الأسماء من حضرة القرب ويفترق الصنفان عند رجوعهم * من المشهد الأعلى إلى عالم الترب فيظهر هذا بالرسالة واضعا * حدودا وأحكاما عن الروح والرب وذلك مأمور بستر مقامه * وإن كان قد داناه في الذوق والشرب فسبحان من أعطى الوجود بجوده * وقسمه قسمين للكشف والحجب فأشهد ذا فضلا وسبق عناية * وأوقف ذا خلف الحجاب بلا ذنب فقف وتأدب واتعظ ثم ولا تقل * حجبت بلا ذنب وهذا من الذنب ألا إنما العقبى لمن بات سره * يرى البعد والتقريب في الذنب والعتب قال تعالى في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة يعني التذكرة التي هي الرسالة بأيدي سفرة والسفرة هم الرسل من الملائكة هنا كذلك ما يجودون به على المرسلين إليهم في رسالتهم بررة أي محسنين فهؤلاء هم سفراء الحق إلى الخلق بما يريد أن ينفذه فيهم من الحكم من عالم الأركان فإذا أراد الله إنفاذ أمر في خلقه أوحى إلى الملك الأقرب إلى مقام تنفيذ الأوامر وهو الكرسي فيلقي إليه ذلك الأمر على وجوه مختلفة ثم يأمره بأن يوحي به إلى من يليه ويوحي إليه أن يوحي إلى من يليه أن يوحي به إلى من يليه من أعلى إلى أدنى إلينا هذا من حد انقسام الكلمة وأما من أحدية الكلمة فهو نزولها من رتبة زلفى إلى مقام أدنى إلى مكان أزهى إلى محل أسنى إلى رفرف أبهى إلى عرش أعلى إلى كرسي أجلي فتنقسم هناك الكلمة أي يتعين هنالك ما أريد بها من حكم أو خبر ثم تنزل إلى سدرة المنتهى إلى سماء فسماء إلى السماء الدنيا فينادي بملك الماء فيودع تلك الرسالة فيضعها في الماء وينادي ملائكة اللمات وهم ملائكة القلوب فيلقنوها فيجعلها لمات في قلوب العباد فتعرف الشياطين ما جاءت به الملائكة فتأتي بأمثاله إلى قلوب الخلق فتنطق الألسنة بما تجده في القلوب وهي الخواطر قبل التكوين بأنه كان كذا واتفق كذا لما لم يكن فما يكون منه بعد الكلام به فذلك مما جاءت به الملائكة وما لم يكن فهو مما ألقته الشياطين ويسمى ذلك في العالم الإرجاف وتراه العامة مقدمات التكوين وأما ملك الماء فيلقي ما أوحي به إليه في الماء فلا يشرب الماء حيوان إلا ويعرف ذلك السر إلا الثقلين
(٢٥٩)