اختيار منه فيصح أن يقال في السيد إنه ملك الملك لأنه أجاب أمر عبده وعبده ملك له ومن أمر فأجاب فقد صح عليه اسم المأمور وهو معنى الملك فإذا أجاب السيد أمر عبده وهو ملك فبإجابته صير نفسه ملك ملكه وهذا غاية النزول الإلهي لعبده إذ قال له ادعوني أستجب لك فيقول له العبد اغفر لي ارحمني انصرني أجبرني فيفعل ويقول الله له ادعني أقم الصلاة ائت الزكاة اصبروا رابطوا جاهدوا فيطيع ويعصي وأما الحق سبحانه فيجيب عبده لما دعاه إليه بشرط تفرغه لدعائه وقد يكون أثر المؤثر فعلا من غير أمر كالعبد يعصي فيثير كونه عاصيا غضبا في نفس السيد فيوقع به العقوبة فقد جعل العبد سيده يعاقبه بمعصيته ولو لم يعصه ما ظهر من السيد ما ظهر أو يغفر له وكذلك في الطاعة يثيبه فيكون من هذه النسبة أيضا ملك الملك أي ملكا لمن هو ملكه وبهذا وردت الشرائع كلها وأما قوله كم مجالسه فإنها لا تنحصر عقلا فإنها حالة دوام من سيد لعبد ومن عبد إلى سيد فسؤاله لا يخلو إما أن يريد ما قلنا من أنها لا تنحصر عقلا فإن أجاب بانحصار في كمية معلومة علم أنه لا علم عنده أو يريد مجالسه من حيث ما شرع فهي مجالس في الدنيا محصورة وفي الآخرة غير محصورة لأن الآثار الواقعة في الآخرة كلها أصلها من الشرائع فلا ينفك حكم الشرع في الدنيا والآخرة فإن الخلود في الدارين من حكم الشرع وما يكون من الحق فيهم من حكم الشرع فإذا مجالس ملك الملك من جهة الشرع لا تنحصر فإن أراد السائل عن هذا حالة الدنيا خاصة فعددها عدد أنفاس الخلائق عقلا وإن أراد ما اقترن به الأمر من العبد خاصة فعلى قدر ما دعا العبد ربه من حيث ما أمره أن يدعوه به وهي من كل داع بحسب ما سبق في علم الله من تكليفه لكل عين عبد أن يدعوه وخلق الله الذين هم بهذه المثابة يفوتون التلفظ باسم العدد الذي يحصرهم فإنه يدخل في ذلك الملائكة والجن والإنس فحصر كمياتها ما دام زمان الدنيا إلى أن ينقضي في حق الملك والجن والإنس محصور الكمية غير متصور التلفظ به لأنه قال وما يعلم جنود ربك إلا هو وهم من الملك الذي يدعو ربه فيصيره بدعائه ملكا له فكمياتها وإن كانت محصورة فهي غير معلومة وإن علمت فهي غير مقدورة للتلفظ بها لما في ذلك من المشقة ولكن من وقف على ما رقم في اللوح المحفوظ عرف كمياتها بلا شك وإن تعذر النطق بها فمن كل وجه لا يتصور الجواب عنها بأكثر من هذا وإنما جعله الترمذي على سبيل الامتحان فإنه جاء بمسائل لا يصح الجواب عنها ليعلم أن المسؤول إذا أجاب عنها أنه مبطل في دعواه علم ذلك إذ لو علم ذلك لكان من علمه به أنه مما لا يجاب عنه فيعلم صدق دعواه وسيأتي من ذلك ما تقف عليه في هذه السؤالات إن شاء الله والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (السؤال السابع عشر) بأي شئ حظ كل رسول من ربه الجواب عن هذا لا يتصور لأن كلام أهل طريق الله عن ذوق ولا ذوق لأحد في نصيب كل رسول من الله لأن أذواق الرسل مخصوصة بالرسل وأذواق الأنبياء مخصوصة بالأنبياء وأذواق الأولياء مخصوصة بالأولياء فبعض الرسل عنده الأذواق الثلاثة لأنه ولي ونبي ورسول قال الخضر لموسى ما لم تحط به خبرا والخبر الذوق وقال له أنا على علم علمنيه الله لا تعلمه أنت وأنت على علم علمكه الله لا أعلمه أنا هذا هو الذوق حضرت في مجلس فيه جماعة من العارفين فسأل بعضهم بعضا من أي مقام سأل موسى الرؤية فقال له الآخر من مقام الشوق فقلت له لا تفعل أصل الطريق أن نهايات الأولياء بدايات الأنبياء فلا ذوق للولي في حال من أحوال أنبياء الشرائع فلا ذوق لهم فيه ومن أصولنا إنا لا نتكلم إلا عن ذوق ونحن لسنا برسل ولا أنبياء شريعة فبأي شئ نعرف من أي مقام سأل موسى الرؤية ربه نعم لو سألها ولي أمكنك الجواب فإن في الإمكان أن يكون لك ذلك الذوق وقد علمنا من باب الذوق أن ذوق مقام الرسل لغير الرسل ممنوع فالتحق وجوده بالمحال العقلي لأن الذات لا تقتضي إلا هذا الترتيب الخاص أو سبق العلم كيف شئت فقل فإن أراد السؤال عن السبب الذي اقتضى لذلك الرسول هذا الحظ الذي انفرد به فقد قال صاحب المحاسن ليس بينه وبين عباده نسب إلا العنابة ولا سبب إلا الحكم ولا وقت غير الأزل وما بقي فعمي وتلبيس واعلم أن السبب العام الذي عين المراتب العلية لأربابها إنما هو العناية الإلهية وهو قوله تعالى وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم وأما السبب الخاص لهذا الرسول للحظ الخاص الذي له من
(٥١)