في المتنفس ما ظهر للحروف عين ولولا التأليف ما ظهر للكلمات عين فالوجود مرتبط بعضه ببعض فلو لا الحرج والضيق ما كان للنفس الرحماني حكم فإن التنفيس هو إزالة عين الحرج والضيق فالعدم نفس الحرج والضيق فإنه يمكن أن يوجد هذا المعدوم فإذا علم الممكن إمكانه وهو في حال العدم كان في كرب الشوق إلى الوجود الذي تعطيه حقيقته ليأخذ بنصيبه من الخير فنفس الرحمن بنفسه هذا الحرج فأوجده فكان تنفيسه عنه إزالة حكم العدم فيه وكل موجود سوى الله فهو ممكن فله هذه الصفة فنفس الرحمن هو المعطي صور الممكنات الوجود كما أعطى النفس وجود الحروف فالعالم كلمات الله من حيث هذا النفس كما قال وكلمته ألقاها إلى مريم وهو عين عيسى عليه السلام وأخبر أن كلمات الله لا تنفد فمخلوقاته لا تزال توجد ولا يزال خالقا وكذلك لما رأينا في هذه الأجسام العنصرية أمورا مختلفة الصور مختلفة الأشكال مختلفة المزاج ومع هذا ما يخرجها ذلك الاختلاف عن حقيقة كونها يجمعها حد واحد وحقيقة واحدة كأشخاص الحيوان على اختلاف أنواعه وأشكاله كالطير لا يخرجه ما ظهر فيه من اختلاف المقادير والأشكال والألوان عن كونه طيرا فعلمنا إن هذا الاختلاف ما هو لكونه إنسانا ولا لكونه طيرا فإن الإنسانية في كل واحد واحد من أشخاصها مع ظهور الاختلاف فلا بد لذلك من حقائق أخر معقولة أوجبت لها ذلك الاختلاف فبحثنا عن ذلك في العلم الإلهي الذي هو مطلوبنا إذ كان الوجود مرتبطا به فوجدناه تعالى لا يكرر تجليا ويظهر في صورة ينكر فيها وفي صورة يعرف فيها وهو الله تعالى في الصورتين الأولى والآخرة وفي كل صور التجلي فقامت صور التجلي في الألوهة مقام اختلاف أحوال صور أشخاص النوع في النوع فعلمنا أن تغير أشخاص النوع من هذه الحقيقة الإلهية فعلمنا إنا ما علمنا من الحق إلا ما أشهدنا وأن الله تجلى للنوع من حيث ما هو نوع فلم يتغير عن نوعيته كما لم يزل إلها في ألوهته ثم يظهر لذلك النوع في صور مختلفة اقتضتها ذاته تعالى فظهر في أشخاص النوع اختلاف صور على وزنها ومقدارها فلو لا أنه في استعداد هذا النوع المتغير بالشخص في الأشكال والألوان والمقادير التي لا تخرجه عن نوعيته لما قبل هذا التغيير ولكان على صورة واحدة وإذا كان الكثيف مع كثافته مستعد القبول الصور المختلفة بصنعة الصانع فيه كالخشب وما تصور منه بحسب ما يقوم في نفس الصانع من الصور المختلفة فاللطيف أقبل للاختلاف كالماء والهواء فما كان ألطف كان أسرع بالذات لقبول الاختلاف فتبين لك أن اختلاف صور العالم من أعلاه لطفا إلى أسفله كثافة لا يخرج كل صورة ظهر فيها عن كونه نفس الرحمن قال تعالى والله أنبتكم من الأرض نباتا فالأرض واحدة وأين صورة النجم من صورة الشجر على اختلاف أنواعها من صورة الإنسان من صور الحيوان وكل ذلك من حقيقة عنصرية ما زالت عنصريتها باختلاف ما ظهر فيها فاختلاف العالم بأسره لا يخرجه عن كونه واحد العين في الوجود فزيد ما هو عمرو وهما إنسان فهما عين الإنسان لا غيره فمن هنا تعرف العالم من هو وصورة الأمر فيه إن كنت ذا نظر صحيح وفي أنفسكم أفلا تبصرون ما ثم إلا النفس الناطقة وهي العاقلة والمفكرة والمتخيلة والحافظة والمصورة والمغذية والمنمية والجاذبة والدافعة والهاضمة والماسكة والسامعة والباصرة والطاعمة والمستنشقة واللامسة والمدركة لهذه الأمور واختلاف هذه القوي واختلاف الأسماء عليها وليست بشئ زائد عليها بل هي عين كل صورة وهكذا تجده في صور المعادن والنبات والحيوان والأفلاك والأملاك فسبحان من أظهر الأشياء وهو عينها فما نظرت عيني إلى غير وجهه * وما سمعت أذني خلاف كلامه فكل وجود كان فيه وجوده * وكل شخيص لم يزل في منامه فتعبير رؤيانا لها في منامنا * فمن لام فليلحق به في ملامه ومما يتعلق بهذا الباب وبباب ركن الماء ما يظهر فيهما من السخانة عن الشعاعات النورية المنفهقة من ذات الشمس أين أصلها في العلم الإلهي فإن الأجسام الأرضية والمائية إذا اتصلت بها أشعة الأنوار الشمسية والكوكبية يرى بعض الأجسام يسخن عند انبساط الشعاع عليه وبعض الأجسام على برده لا يقبل التسخين مع اختراق الشعاعات ذلك الجسم كدائرة الزمهرير وما علا من الجو لا أثر لحر الشعاعات فيه فاعلم إن للوجه الإلهي سبحات محرقات لولا الحجب
(٤٥٩)