البينة وليس كذلك فإن العلامة إذا لم تكن بينة وهو التحقق بها وبها يقطع النبيون والأولياء فيما يرد عليهم من الله ولقد أخبرني أبو البدر التماشكي البغدادي وهو من الفقراء الصادقين من أنظفهم ثوبا وأحسنهم عبارة قال لي جمع بيني وبين الشيخ رغيب الرحبي مجلس وكان من العارفين غير أنه لم يبلغ فيما نقل إلينا مبلغ العارفين المكملين في شغلهم أنه قال له عن رجل الوقت إنه رأى خلعة قد خرجت له من الحضرة وقد أعطى علامة في ذلك الرجل وإلى الآن فما رآه لأنه لم ير تلك العلامة فقال له أبو البدر رضي الله عن جميعهم يا شيخ ألم تر بعد ذلك رجالا كثيرة فقال له نعم قال وكانوا من الأكابر قال نعم ولكن ما رأيت تلك العلامة في واحد منهم فقال له أبو البدر وما يدريك أن واحدا من أولئك الرجال الذين رأيتهم كان هو المقصود بتلك الخلعة وتغرب عليك حتى لا تعرفه فقال له رغيب قد يكون ذلك فهذا صاحب علامة ولكن ما هو على بينة في علامته فإن العلامة إنما هي في الباطن لا تزول عنه وهو الذي يكون بها على بينة من ربه في نفسه فإذا جعلت له العلامة في غيره كان ذلك الغير حاكما لها إن شاء ظهر له فيها وإن شاء لم يظهر فلذلك قال رغيب ما قال في العلامة ولم يبين من كان محل العلامة هل هو أو ذلك الرجل فلما أقر بوقوع ما قال له أبو البدر في الدخول عليه في علامته علمنا قطعا إذا صدقنا رغيبا في دعواه أن العلامة كانت في غيره فإنه ما هو على بينة من ربه فعلامته فيه ما يكون في غيره فلذلك قد يمكن أن يصح ما قال أبو البدر أن يكون الرجل قد دخل عليه فيمن رأى من الرجال وتغرب عليه فاعتراض أبي البدر على هذا العارف اعتراض صحيح محرر في الطريق وإقرار رغيب في ذلك إقرار صادق يدل على صدق دعواه إلا أنه قد يكون هذا الشيخ ممن ليس على بينة وقد يكون من أهل البينة إذ لم يقع في دعواه لفظ البينة وعدل إلى العلامة التي يدخلها الاشتراك وأما الشيخ أبو السعود ابن الشبل شيخ أبي البدر المذكور فالموصوف من أحواله أنه كان على بينة من ربه إلا أنه كان أعقل أهل زمانه ولولا ما حكى عنه أبو البدر المذكور أنه انتهر شخصا في ذكر عبد القادر بغيظ لا بسكون وهدو وعرفه إنه يعرف عبد القادر كيف كان حاله في أهله وحاله في قبره لكان عبدا محضا ولكن عاش بعد هذا فقد يمكن أنه صار عبدا محضا لأنه لم ينتهر هذا الشخص لكونه أتى أمرا محرما في الشرع وإنما وصف أحوال عبد القادر وعظم منزلته فلو أنه وقع في محظور شرعي وانتهره وغضب عليه لم يخرجه ذلك عن إن يكون عبدا محضا فسبحان من أعطى أبا السعود ما أعطاه فلقد كان واحد زمانه في شأنه نعم لو كان هذا الذاكر تلميذا له لتعين عليه انتهاره إياه لأن انتهاره من تربيته فإن كان من تلامذته فذلك الانتهار لا يخرجه عن عبوديته فإن كان ذلك الانتهار من أبي السعود عن أمر إلهي خوطب به في نفسه لمصلحة الوقت في حق من كان أو لغيرة من الله على مقام قد أساء هذا المتكلم فيه الأدب فانتهاره ذلك مما يحقق عبوديته لا يخرجه عنها وهذا هو الظن بحال أبي السعود لا الذي ذكرناه أولا وإنما ذكرنا ذلك وهذا وما بينهما لنستوفي الكلام على المقام بما يقتضيه من الوجوه على كمالها فلا بد أن يكون هذا الشيخ على واحد منها ولم يحكم عليه بواحد منها فأفدنا الواقف على هذا الكتاب معرفة هذا المقام وأحواله وإن الله ما أخبرني بحال من أحوال أبي السعود حتى نلحقه بمنزلته والله أعلم أي ذلك كان إلا أني أقطع أن ميزانه بين الشيوخ كان راجحا نفعنا الله بمحبته وبمحبة أهل الله وقد أوردنا من هذا المنزل بعض ما يحويه من القواصم فإنها كلها مخوفة والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الرابع والثمانون ومائتان في معرفة منزل المجاراة الشريفة وأسرارها من الحضرة المحمدية) تجارت جياد الفكر في حلبة الفهم * تحصل في ذاك التجاري من العلم بأسرار ذوق لا تنال براحة * تعالت عن الحال المكيف والكم أغار على جيش الظلام صباحها * فأسفر عن شمسي وأعلن عن كتمي وأورى زناد الفكر نارا تولدت * من الضرب بالروح المولد عن جسم
(٦٢٤)