هو لكونه إنسانا فإن الإنسانية عينه وإنما هو لكونه سلطانا وهي المرتبة فالعاقل من الناس يرى أن المتحكم في المملكة إنما هي المرتبة لا عينه إذ لو كان ذلك لكونه إنسانا فلا فرق بينه وبين كل إنسان وهكذا كل المظاهر فرجال الله ينظرون أنفسهم من حيث أعيانهم لا من حيث كونهم مظاهر فكانت المرتبة هي الحاكمة لا هم وهذه هي ثمرة الحق التي جنوها حين حكموا به وفازوا بالعبودة والعبودية عبادة الفرائض وعبادة النوافل (السؤال الثالث والتسعون) وما المحق الجواب معطي الحق وهو الموصوف بالحكم العدل وذلك أني أنبهك على تحقيق هذا الأمر فاعلم أن المحق إذا كان هو معطي الحق فليس إلا الله ومقصود الطائفة من المحق أن يكون الصادق الدعوى في طلب الحق الذي يستحقه وهي مسألة صعبة فإن الله أعطى كل شئ خلقه وهو ما يستحقه فقد أعطى كل شئ استحقاقه فهذا الطالب ما يستحقه كيف يصح أن يكون ممنوعا عنه ما يستحقه مع قوله أعطى كل شئ خلقه فلنقل اعلم أن قوله أعطى كل شئ خلقه إنما هو مما يقوم ذات ذلك الشئ من الفصول المقومة لذاته وأما ما تطلبه تلك الفصول من اللوازم والأعراض فما أعطاه ذلك لأن أعراض كل ذات لا يتناهى ما دام موصوفا بالبقاء في الوجود وما لا يمكن فيه التناهي لا يصح أن يدخل في الوجود بل على التتالي والتتابع فالطالب المحق هو الذي لا يطلب ما لا تستحقه ذاته من لوازمها وأعراضها كمن ليس من حقيقته أن يقبل التفكر فيطلب أن يتصف بالفكر فما هو محق في طلبه فإذا طلبه الإنسان إذا كان الغالب عليه الوقوف مع المحسوسات فله أن يطلب الاشتغال بالتفكر في خلق السماوات والأرض وجميع الآيات فهو محق في طلبه صادق الدعوى في نفي التفكر عنه لاستيلاء الغفلة عليه فهذا هو المحق الذي لا يعارض طلب حقه الذي يستحق بذاته طلبه قوله أعطى كل شئ خلقه فقد تبين لك كيف ينبغي لك أن تسأل وما ذا تسأل فيه ومن أوصاف المحق أن لا يسأل إلا من بيده قضاء ذلك الحق المسؤول فإن لم يفعل فقد شكى إلى غير مشتكى كان شيخنا أبو العباس بن العريف الصنهاجي يقول في دعائه اللهم إنك سددت باب النبوة والرسالة دوننا ولم تسد باب الولاية اللهم مهما عينت أعلى رتبة في الولاية لأعلى ولي عندك فاجعلني ذلك الولي فهذا من المحقين الذين طلبوا ما يمكن أن يكون حقا لهم وإن كانت النبوة والرسالة مما يستحقه الإنسان عقلا لكون ذاته قابلة لها لكن لما علم أن الله قد سد بابها شرعا وسد باب نبوة الشرائع لم يسألها وسأل ما يستحقه فإن الله ما حجر الولاية علينا ومن هذا الباب سؤال الوسيلة وإن لم يكن مثلها لكن يقرب منها وإنما ألحقناها بها في التشبيه لقرينة حال وهي درجة في الجنة لا ينالها أولا تنبغي إلا لرجل واحد قال صلى الله عليه وسلم وأرجو أن أكون أنا فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة فلو سأل واحد منا ربه الوسيلة في حق نفسه لما سأل ما لا يستحقه لأنه ربما لا ينالها إلا شخص هو على صفة مخصوصة والله يقول لنا وابتغوا إليه الوسيلة إلا أنه لم يقل منه فقد يمكن أن يكون هذه من التوسل وتلك الصفة إما موهوبة أو مكتسبة ولم يعينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حجرها على واحد بعينه ولم يقل إنها لا تنبغي إلا لمن هو أفضل عند الله من البشر ونحن نعلم أنه أفضل الناس عند الله بما نص على نفسه فكان يكون ذلك تحجيرا ولم ينص أيضا في وحدانية ذلك الشخص هل هو واحد لعينه أو واحد تلك الصفة فتكون الأحدية لتلك الصفة ولو ظهرت في ألف لكان كل واحد من الألف له الوسيلة لأن تلك الصفة تطلبها فلما لم يقع من الشارع شئ من هذا كله ساع لنا أن نطلبها لأنفسنا ولكن يمنعنا من ذلك الإيثار وحسن الأدب مع الله في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي اهتدينا بهديه وقد طلب منا أن نسأل الله له الوسيلة فتعين علينا أدبا وإيثارا ومروءة ومكارم خلق أن لو كانت لنا لوهبناها له إذ كان هو الأولى بالأفضل من كل شئ لعلو منصبه وما عرفناه من منزلته عند الله ونرجوا بهذا أن يكون لنا في الجنة ما يماثل تلك الدرجة مثل قيمة المثل عندنا في الحكم المشروع في الدنيا وذلك أن بيننا وبينه صلى الله عليه وسلم أخوة الايمان وإن كان هو السيد الذي لا يقاوم ولا يكاثر ولكن قد انتظم معنا في سلك الايمان فقال تعالى إنما المؤمنون إخوة وثبت في الشرع أن الإنسان إذا دعى لأخيه بظهر الغيب قال الملك له ولك بمثله ولك بمثليه فإذا دعونا له بالوسيلة وهو غائب عنا قال الملك ولك بمثله فهي له والمثل للداعي فينال من درجات مجموعه ما يناله صاحب الوسيلة من الوسيلة مثل قيمة المثل لأن الوسيلة لا مثل لها أي ما ثم درجة
(٩٧)