لا يكون لغيرها والتاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع النبيين والشهداء كذا قال صلى الله عليه وسلم وقوله تخشون كسادها يقول تخافون أن تتركوها لأجل الكساد طلبا للأرباح وأي ربح أعظم من ربح صدق التاجر وقوله وجهاد في سبيله أي ومن أجل أيضا شهودكم إياه تعالى في الجهاد في سبيله لأنه أمركم بهذا وعلمتم أنه مشهودكم في كل ما ذكرناه ولما ذكرناه منزلة شريفة عندكم فتربصوا أي لا تفروا فإنه ما أمرنا بالفرار إلا لكوننا ليست لنا هذه المشاهدة وقوله حتى يأتي الله بأمره وهو قيام الساعة أو الموت الذي يخرجكم عن مشاهدة هؤلاء وقوله والله لا يهدي القوم الفاسقين يقول الخارجين عن حكم هذه المشاهدة التي أنتم فيها والتي دعيتم إليها فما هي في حق أصحاب هذا النظر آية وعيد وإنما هي آية وعد وبشرى وتقرير حال وسكون أي تربصوا إذا كان هذا مشهدكم فقد حصل المطلوب فإن انتقلتم بعد هذا فهو انتقال من خير إلى خير أو من خير أدنى إلى خير أعلى فتفهم وتدبر ما ذكرنا تسعد إن شاء الله تعالى (الباب الرابع والثمانون في تقوى الله) ما يتقي الله سوى جامع * لكل ما في الكون من حكمته فيتقي النقمة في نعمته * ويتقى النعمة في نقمته فكل ما في الكون من ظاهر * وباطن فيه فمن نعمته وهي التي أسبغها منة * منه على المختار من أمته فكل ما يجريه سبحانه * من كل ما يقضي فمن همته اعلموا يا إخواننا أنار الله بصائركم وأصلح سرائركم وخلص من الشبه أدلتكم إنه لما أمتن الله علينا بالاسم الرحمن فأخرجنا من الشر الذي هو العدم إلى الخير الذي هو الوجود ولهذا أمتن الله تعالى علينا بنعمة الوجود فقال أو لا يذكر الإنسان إنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا فما تولانا منه سبحانه ابتداء إلا الرحمة ولهذا قال إن رحمة الله سبقت غضبه فلما نظرنا في قوله تعالى اتقوا الله أي اتخذوه وقاية من كل ما تحذرون ورأينا مسمى الله يتضمن كل اسم إلا هي فينبغي أن يتقى منه ويتخذ وقاية فإنه ما من اسم من الأسماء الإلهية للكون به تعلق إلا ويمكن أن يتقى منه وبه إما خوفا من فراقه إن كان من أسماء اللطف أو خوفا من نزوله إن كان من أسماء القهر فما يتقى إلا حكم أسمائه وما تتقي أسماؤه إلا بأسمائه الاسم الذي يجمعها هو الله فإذا كان الله مجموع الأسماء المتقابلة وقد علمنا إن المتقابلين إذا كانا على ميزان واحد سقط حكمهما لأن المحل لا يقبل حكم تقابلهما فيسقطان فإذا رجح ميزان أحدهما كان الحكم للراجح وقد رجح اسم اللطيف بوجودنا لأن الاسم الرحمن يحفظنا فترجحت الرحمة فنفذ حكمها فهي الأصل بالإيجاد والانتقام حكم عارض والعوارض لا ثبات لها فإن الوجود يصحبنا فما لنا إلى الرحمة وحكمها فلهذا أمرنا بتقوى الله أي نتخذه وقاية ونتقيه لما فيه من التقابل وهو مثل قوله في الاستعاذة منه به فقال وأعوذ بك منك وهو من المقامات المستصحبة في الدنيا والآخرة فإنه إذا اتقيت أحكام الأسماء ولا سيما في الجنة التي حكم الإنسان فيها للصورة الإلهية التي فطر عليها فيقول للشئ كن فيكون ذلك الشئ فربما يحجبه هذا المقام عن الذي هو أعلى في حقه فيذهل عن الكثيب الذي هو خير له مما هو فيه فيأتي الاسم المذكر الإلهي فيذكره بشرف رتبة الكثيب وما يحصل له فيه وما يرجع به إلى أهله فيتقي هذا الاسم الذي مسكه في الجنة عن التشوق إلى ما هو أفضل في حقه مما يحصل له في الكثيب فلهذا قلنا باستصحاب مقام التقوى في الدنيا والآخرة فإذا علمت هذا علمت إن مقام التقوى تقوى الله مكتسب للعبد ولهذا أمر به وهكذا كل مأمور به فهو مقام يكتسب ولهذا قالت الطائفة إن المقامات مكاسب والأحوال مواهب والتقوى الإلهية على قسمين في الحكم فينا أي انقسم فيها الأمر قسمين قسما أمرنا الله أن نتقيه حق تقاته من كوننا مؤمنين وقسما أمرنا فيه أن نتقيه على قدر الاستطاعة وما عين في هذا التكليف صفة تخص بها طائفة من الطوائف مثل ما عينها في حق تقاته وإن كان المؤمنون قد تقدم ذكرهم فأعاد الضمير عليهم ولكن مثل هذا لا يسمى تصريحا ولا تعيينا فينزل عن درجة التعيين فيحدث لذلك حكم آخر فقال فاتقوا الله ما استطعتم ابتدأ آية بفاء عطف وضمير جمع لمذكور متقدم قريب أو بعيد فإن المضمرات
(١٥٧)