على أنه من أهل الوصول والتحقق وأما الرسم بالراء فهو أثر الحق على العبد الظاهر عليه عند رجوعه من حال ما قد ادعاه أو مقام فيصدقه هذا الأثر للظاهر عليه في دعواه فاعلموا أيدنا الله وإياكم بروح منه أن الوسم فينا كالأسماء لله دلالات عليه ليعرف بها فلما كثرت المعاني وتعددت نسبتها جعل للذات المنسوبة إليها هذه المعاني أسماء بإزاء كل معنى اسما يدل عليه ويعرف به لتحصيل الفوائد من العلماء بذلك المتعلقة بها فجعل الله لكل حال ومقام علامة تسمى وسما تدل على ذلك المقام والحال دلالة ترفع الإبهام والإجمال والاشتراك وتكون تلك الدلالة نعتا لذلك المعنى الذي له الحكم من هذه الذات فلا يزال يجري في الأبد أي يظهر دائما كما لم يزل في الأزل وهنا نكتة بديعة وذلك إنا قد قدمنا إن العالم على صورة الحق ومن علمه بنفسه تعلق العلم بالعالم فكان العالم مشهودا للحق أزلا وإن لم يكن موجودا والوسم من جملة العالم على حكمه ومرتبته فهو مشهود له أزلا يجري بحسب ما هو عليه في الأبد هذا هو تحقيق شأنه وكذلك الرسم فجميع ما هو العالم عليه في الأبد إنما هو على صورة ما ظهر به في الأزل إذ لا يختلف شهود الحق فيه وقد كان مشهودا له في الأزل حيث لم يكن موجودا عينيا فقد شاهد هذا الرسم والوسم أزلا يجريان في العالم كما هما في الأبد عليه فافهم ذلك وليس الوسم ولا الرسم بجعل جاعل في الأصل بل ظهرا هنا في الأبد بجعل جاعل وهو الله تعالى ولا بد لكل حال ومشهد ومقام من أثر فيمن قام به ذلك لأثر هو الرسم فالأثر من حيث ظهوره في المؤثر فيه بفتح الثاء يسمى رسما وهو بعينه من حيث إنه دلالة على صدق صاحب ذلك الحال أو المشهد أو المقام أو ما كان يسمى وسما فعين مسمى الوسم هو عين مسمى الرسم ويختلفان من حيث الحكم فالوسم عين الرسم من وجه وليس هو عينه من وجه إذا اعتبرت الحكم فالرسم في الجناب الإلهي الذي صدر عنه هذا الرسم في الكون هو كون الحق يظهر فيه أثر الإجابة عند سؤال السائلين إذ لا يكون مجيبا إلا عن سؤال فلما أوجب السؤال الإجابة كانت الإجابة أثرا في المجيب فهذا هو الرسم الإلهي ودليلنا عليه وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني ولما كان الأمر في نفسه بهذه المثابة في الجناب الإلهي ظهر في العالم الأثر أيضا إذ لو لم يكن كذلك لظهر في العالم أمر لا مستند له في الجناب الإلهي فيناط به الجهل به إذ قد تقرر أن علمه بالعالم علمه بنفسه فلهذه الحقيقة الإلهية استناد الرسم والوسم وقد يكون قول الطائفة في الوسم والرسم بما جريا في الأزل حكمهما في الجناب الإلهي إذ كان العالم ظاهرا بصورة حق ولا يحتمل البسط في هذا الباب أكثر من هذا وأما التفصيل فيه فيطول بطول العالم والعالم لا يتناهى الأثر فيه والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثامن عشر ومائتان في معرفة القبض وأسراره على الاختصار والإجمال) للقبض أسباب ولكنها * تعلم أوقاتا وقد تجهل فكل ما تعلم أسبابه * فحكمه السبب الأول وكل ما تجهل أسبابه * فلا تقل أدنى ولا أفضل فأفضل القبض إليه الذي * يعرفه الأمثل فالأمثل كقبضه الظل إليه وذا * عليه أهل الله قد عولوا اعلم أن الطائفة قالت في القبض إنه عبارة عن حال الخوف في الوقت فإن الأسف في الماضي والخوف والحذر في المستقبل والقبض للمعنى الحاصل في الوقت وبعضهم نزع في القبض إلى نتائجه فقال القبض وارد يرد على القلب يوجب إشارة إلى عتاب أو زجر باستحقاق تأديب وقال بعضهم القبض حال ينتجه الخوف وقد يكون الخوف مشعورا به وقد لا يكون فاعلموا أيدكم الله أن القبض في الجناب الإلهي الذي عنه صدر القبض في الكون هو ما اتصف به الحق سبحانه من صفات المخلوقين ولا سيما في قوله ووسعني قلب عبدي ثم تجليه لكل معتقد فيه في صورة اعتقاده فيه فصار الحق كأنه محصور مقبوض عليه بالاعتقادات وهي العلامة التي بين الله وبين عامة عباده ولو لم يكن كذلك لم يكن إلها وهو إله العالم بلا شك فلا بد من اتصافه بهذه السعة والعالم متباين الاستعداد ولا بد له من الاستناد فلا يزال يعبد كل جزء من العالم الله من حيث استعداده فلا بد أن يتجلى له الحق بحسب استعداده للقبول فما من شئ إلا وهو يسبح بحمده
(٥٠٩)