فالأول يمكن أن يقوم بعينه أمر يزيل عنه النور الذي إذا اجتمع بنور الايمان أدرك الأمور التي ألزمه الايمان القول بها وهو المؤمن الذي لا دليل له وينظر الأشياء بذاته فيدخله الشك ممن يشككه فإن فطرته تعطي النظر في الأدلة إلا أنه لم ينظر فإذا نبه تنبه فمثل هذا إن لم يسرع إليه الذوق وإلا خيف عليه والمؤمن الآخر هو بمنزلة الجسد الذي قد تسوت بنيته واستوت آلات قواه وتركبت طبقات عينه غير أنه ما نفخ فيه الروح فلا نور لعينه فإذا كان الإنسان بهذه المثابة من الطمس فنفخ فيه روح الايمان فأبصرت عينه بنور الايمان الأشياء فلا يتمكن له إدخال الشكوك عليه جملة ورأسا فإنه ما لعينه نور سوى نور الايمان والضد لا يقبل الضد فما له نور في عينه يقبل به الشك والقدح فيما يراه وهكذا هي الأذواق وهذه فائدتها ومتى لم يكن الايمان بهذه المثابة والفطرة بهذه المثابة وإلا فقليل أن يجيئ منه ما جاء من الأنبياء والأولياء من الصدق بالإلهيات فالفطرة الذكية التي تقبل النظر في المعقولات من أكبر الموانع لحصول ما ينبغي أن يحصل من العلم الإلهي والفطرة المطموسة هي القابلة التي لا نور لعينها من ذاتها إلا من نور الايمان فلا تعطي فطرته النظر في الأمور على اختلافها ومما يعضد ما قلناه حديث إبار النخل وحديث نزوله بأصحابه يوم بدر وقوله ما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن اتبع إلا ما يوحى إلى أي مالي علم ولا نظر بغير ما يوحى إلي وهذا باب لا يعرفه إلا أهل الله ومنزلة الأنبياء فيما يأخذونه من الغيب بطريق الايمان من الملائكة منزلة المؤمنين مع ما يأخذونه من الأنبياء فالأنبياء مؤمنون بما يلقي إليهم الروح والروح مؤمن بما يلقي إليه من يلقي إليه فحظ المؤمن كان من كان من الظاهر ما ألقى إليه وحظه من الباطن ما استتر به وحظه من الأول علم الخواطر الإلهية وحظه من الآخر إلحاق بقية الخواطر بالخواطر الإلهية وهو تتميم قوله وهو بكل شئ عليم (السؤال السابع والتسعون) ما حظ المؤمنين من قوله كل شئ هالك إلا وجهه الجواب المؤمن هو الذي ذكرناه الذي لا نور لعين بصيرته إلا نور الايمان فكل شئ عنده هالك عن شيئيته شيئية ثبوته وشيئية وجوده إلا وجهه وجه الشئ ذاته وحقيقته ووجهه مظهره أي ظهوره في الأعيان فأما شيئية ذاته فهي المستثناة لا بد من ذلك وأما وجهه في المظهر فبعض أصحابنا يدخلها في كل شئ هالك وبعض أصحابنا لا يدخلها هنالك فأما من أدخلها في الهلاك فاعتبر مظهرا خاصا وأما من لم يدخلها في الهلاك فاعتبر أنها لا تخلو عن مظهر ما وأما نحن فلا نثبت إطلاق لفظ الشيئية على ذات الحق لأنها ما وردت ولا خوطبنا بها والأدب أولى والأولى أن يكون هنا وجهه مثل إطلاق الأول يريد المظهر لا هويته والمظهر له مناسبة بينه وبين الوجه الظاهر فيه فلذلك صح الاستثناء قال تعالى إنما قولنا لشئ إذا أردناه فسماه شيئا في حال هلاكه فكل شئ موصوف بالهلاك لأن هالك خبر المبتدأ الذي هو كل شئ أي كل ما ينطلق عليه اسم شئ فهو هالك وإن كان مظهرا فهو في حال كونه مظهرا في شيئية عينه وهي هالكة فهو هالك في حال اتصافه بالوجود كما هو هالك في حال اتصافه بالهلاك الذي هو العدم فإن العدم للممكن ذاتي أي من حقيقة ذاته أن يكون معدوما والأشياء إذا اقتضت أمورا لذواتها فمن المحال زوالها فمن المحال زوال حكم العدم عن هذه العين الممكنة سواء اتصفت بالوجود أو لم تتصف فإن المتصف بالوجود ما هو عين الممكن وإنما هو الظاهر في عين الممكن الذي سمي به الممكن مظهرا لوجود الحق فكل شئ هالك فلهذا نفينا عن الحق إطلاق لفظ الشئ عليه ويكون الاستثناء استثناء منقطعا مثل قوله فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس ألا ترى لما استحق الحق الوجود لذاته استحال عليه العدم كذلك إذا استحق الممكن العدم لذاته استحال وجوده فلهذا جعلناه مظهرا قلنا في كتاب المعرفة إن الممكن ما استحق العدم لذاته كما يقوله بعض الناس وإنما الذي استحقه الممكن تقدم اتصافه بالعدم على اتصافه بالوجود لذاته لا العدم ولهذا قبل الوجود بالترجيح إذن فالعدم المرجح عليه الوجود ليس هو العدم المتقدم على وجوده وإنما هو العدم الذي له في مقابلة وجوده في حال وجوده أن لو لم يكن الوجود لكان العدم فذلك العدم هو المرجح عليه الوجود في عين الممكن هذا هو الذي يقتضيه النظر العقلي وأما مذهبنا فالعين الممكنة إنما هي ممكنة لأن تكون مظهر إلا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فيكون الوجود عينها إذن فليس الوجود في الممكن عين الموجود بل هو حال لعين الممكن به يسمى الممكن موجودا مجازا لا حقيقة لأن الحقيقة تأبى أن يكون
(٩٩)