فذلك سيد الوقت فاقتد به وذلك صورة الحق أنشأها الله صورة جسدية بعيدة المدى لا يبلغ مداها ولا يخفى طريق هداها وهذا هو طبع الأرض فهي الذلول التي لا تقبل الاستحالة فيظهر فيها أحكام الأركان ولا يظهر لها حكم في شئ تعطي جميع المنافع من ذاتها هي محل كل خير فهي أعز الأجسام لا تزاحم المتحركات بحركتها لأنها لا تفارق حيزها يظهر فيها كل ركن سلطانه وهي الصبور القابلة الثابتة الراسية سكن ميدها جبالها التي جعلها الله أوتادها لما تحركت من خشية الله آمنها الله بهذه الأوتاد فسكنت سكون الموقنين ومنها تعلم أهل اليقين يقينهم فإنها الأم التي منها أخرجنا وإليها نعود ومنها نخرج تارة أخرى لها التسليم والتفويض هي ألطف الأركان معنى وما قبلت الكثافة والظلمة والصلابة إلا لستر ما أودع الله فيها من الكنوز لما جعل الله فيها من الغيرة فحار السعاة فيها فلم يخرقوها ولا بلغوا جبالها طولا أعطاها صفة التقديس فجعلها طهورا في أشرف الحالات وذلك عند الاضطرار لما أقامها مقامه مثل الظمآن يرى السراب فيحسبه ماء فإذا جاءه لم يجده شيئا يعني ماء ووجد الله عنده فما وجد الله إلا عند الضرورة كذلك طهارة الأرض لا تكون إلا لفاقد الماء على ما كان من الأحوال فانظر ما أشرف منزلها ثم أنزلتها منزلة النقطة من المحيط فهي تقابل بذاتها كل جزء من المحيط وينظر إليها كل جزء من المحيط فكل خط منها يخرج إلى المحيط على السواء والاعتدال لأنها ما تعطي إلا بحسب صورتها وكل خط من المحيط إليها يقصد فلو زالت زال المحيط ولو زال المحيط لم يلزم زوالها فهي الدائمة الباقية في الدنيا والآخرة أشبهت نفس الرحمن في التكوين واعلم أن الله تعالى قد جعل هذه الأرض بعد ما كانت رتقا كالجسم الواحد كما كانت السماء ففتق رتقها وجعلها سبعة أطباق كما فعل بالسموات وجعل لكل أرض استعداد انفعال لأثر حركة فلك من أفلاك السماوات وشعاع كوكبها فالأرض الأولى وهي التي نحن عليها للفلك الأول من هناك ثم تنزل إلى أن تنتهي إلى الأرض السابعة والسماء الدنيا ولذلك قال ع فيمن غصب شبرا من الأرض طوقه الله به من سبع أرضين لأنه إذا غصب شيئا من الأرض كان ما تحت ذلك المغصوب مغصوبا إلى منتهى الأرض ولو لم تكن طباقا بعضها فوق بعض لبطل معقول هذا الخبر وكذلك الخبر الوارد في سجود العبد على الأرض طهر الله بسجدته إلى سبع أرضين وقال تعالى إن السماوات والأرض كانتا رتقا أي كل واحدة منهما مرتوقة ثم قال ففتقناهما يعني فصل بعضها من بعض حتى تميزت كل واحدة عن صاحبتها كما قال خلق سبع سماوات طباقا ومن الأرض مثلهن الظاهر يريد طباقا ثم قال يتنزل الأمر بينهن أي بين السماوات والأرض ولو كانت أرضا واحدة لقال بينهما هذا هو الظاهر وهو الذي يعطيه الكشف والأمر النازل بينهن هذا الأمر الإلهي الذي يكون بين السماء الدنيا والأرض التي نحن عليها ينزل من السماء ثم يطلب أرضه وهو قوله وأوحى في كل سماء أمرها فذلك الأمر هو الذي ينزل إلى أرضه بما أوحى الله فيه على عامر تلك الأرض من الصور والأرواح وجعل هذه الأرض سبعة أقاليم واصطفى من عباده المؤمنين سبعة سماهم الأبدال لكل بدل إقليم يمسك الله وجود ذلك الإقليم به فالإقليم الأول ينزل الأمر إليه من السماء الأولى من هناك وتنظر إليه روحانية كوكبه والبدل الذي يحفظه على قلب الخليل عليه السلام والإقليم الثاني ينزل الأمر إليه من السماء الثانية وتنظر إليه روحانية كوكبها والبدل الذي يحفظه على قلب موسى عليه السلام والإقليم الثالث ينزل إليه الأمر الإلهي من السماء الثالثة وتنظر إليه روحانية كوكبها والبدل الذي يحفظه على قلب هارون ويحيى عليهما السلام بتأييد محمد عليه الصلاة والسلام والإقليم الرابع ينزل الأمر إليه من قلب الأفلاك كلها وتنظر إليه روحانية كوكبها الأعظم والبدل الذي يحفظه على قدم إدريس عليه السلام وهو القطب الذي لم يمت إلى الآن والأقطاب فينا نوابه والإقليم الخامس ينزل إليه الأمر من السماء الخامسة وتنظر إليه روحانية كوكبها والبدل الذي يحفظ الله به ذلك الإقليم على قلب يوسف عليه السلام ويؤيده محمد صلى الله عليه وسلم والإقليم السادس ينزل الأمر إليه من السماء السادسة وتنظر إليه روحانية كوكبها والبدل الذي يحفظه على قلب عيسى روح الله ويحيى عليهما السلام والإقليم السابع ينزل الأمر إليه من السماء الدنيا وينظر إليه روحانية كوكبها والبدل الذي يحفظه على قلب آدم عليه السلام واجتمعت بهؤلاء الأبدال السبعة بحرم مكة خلف حطيم الحنابلة وجدتهم يركعون هناك فسلمت عليهم وسلموا علينا وتحدثت معهم
(٤٥٥)