أهل النظر وأرباب الفكر الصفاتين من المشبهة من أرباب العقول وهذا الأمر أدانا إلى أن نعتقد في الموجودات على تفاصيلها أن ذلك ظهور الحق في مظاهر أعيان الممكنات بحكم ما هي الممكنات عليه من الاستعدادات فاختلفت الصفات على الظاهر لأن الأعيان التي ظهر فيها مختلفة فتميزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعيان وتميزها في نفسه فما في الوجود إلا الله وأحكام الأعيان وما في العدم الشئ إلا أعيان الممكنات مهياة للاتصاف بالوجود فهي لا هي في الوجود لأن الظاهر أحكامها فهي ولا عين لها في الوجود فلا هي كما هو ولا هو لأنه الظاهر فهو والتميز بين الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحكام الأعيان فلا هو فيا أنا ما هو أنا ولا هو ما هو هو مغازلة رقيقة وإشارة دقية ردها البرهان ونفاها وأوجدها العيان وأثبتها فقل بعد هذا ما شئت فقد أنبت لك عن الأمر ما هو فما أخطأ معتقد في اعتقاده ولا جهل منتقد في انتقاده فما ثم إلا الله والكون حادث * وما ثم إلا الله والكون ظاهر فما العلم إلا الجهل بالله فاعتصم * بقولي فإني عن قريب أسافر ومالي مال غير علمي ووارث * سوى عين أولادي فذا المال حاضر (الباب السادس والثمانون في تقوى الحدود الدنياوية) اعلم وفقك الله المتقون حدود الله أفراد * بهذه الدار والأفراد آحاد إن الحدود إذا حققت صورتها * برازخ وهي في التحقيق إشهاد فلتتقي حدك الرسمي أن له * غورا وفي غور ذاك الغور إلحاد وقف لدى حظك الذاتي تحظ بما * حظي به من له سعد وإسعاد الفقر والعجز في دنيا وآخرة * فغاية القرب قرب فيه إبعاد هذي طريقة أقوام لهم همم * فازوا بها وبها على الورى سادوا قال الله تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب وأي عقوبة أشد من عقوبة تعم المستحق بها وغير المستحق والظالم وغير الظالم والبرئ والفاعل وهي هذه الحدود الدنيوية لأنها دار امتزاج ونطفة أمشاج فتعم عقوبتها لعدم التمييز وحدود الآخرة ليست كذلك فإنها دار تمييز فلا تصيب العقوبة إلا أهلها فلو كانت نشأة الآخرة من نطفة أمشاج كما ذهب إليه ابن قسي لعمت العقوبة أهلها وغير أهلها ومن هنا إن نظرت تعرف نشأة الآخرة أنها على غير مثال سبق كما أن نشأة الدنيا على غير مثال سبق وهو قوله ولقد علمتم النشأة الأولى فلو لا تذكرون أنها كانت على غير مثال ولهذا أتى بكلمة التحضيض وهذه الفتنة العامة والعقوبة الشاملة والحدود المتداخلة من صفة قوله فعال لما يريد فإن ظاهرها لا يقتضي العدل وباطنها يقتضي الفضل الإلهي ففي الآخرة لا تزر وازرة وزر أخرى وهنا ليس كذلك في عموم صورة العقوبة ولكن ما هي في البرئ عقوبة وإنما هي فتنة وفي الظالم عقوبة لأنها جاءته عقيب ظلمه فما يستوجبها البرئ ولكن حكم الدار عليه كما يحكم على أهل دار الكفر الدار وإن كان فيها من لا يستحق ما يستحقه الكفار قال تعالى ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار والنبي صلى الله عليه وسلم قد جعل مولى القوم منهم في الحكم وما هو منهم في نفس الأمر جعلنا الله ممن عامله بفضله ولم يطلبه بواجب حقه إذا قال الله في حق من اصطفاه من عباده إنه ظالم لنفسه حيث حمل الأمانة وهذا هو ظلم المصطفين من عباد الله لا ظلم يتعدى الحدود الإلهية فإنه من يتعدى حدود الله فقد ظلم نفسه لأن لنفسه حدا تقف عنده وهي عليه في نفسها وذلك الحد هو عين عبوديتها وحد الله هو الذي يكون له فإذا دخل العبد في نعت الربوبية وهو الله فقد تعدى حدود الله ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون لأن حد الشئ يمنع ما هو منه أن يخرج منه وما ليس منه أن يدخل فيه هذه هي الحدود الذاتية فمن يتقيها فأولئك هم المفلحون تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون فوصفهم بالتقوى إذا لم يتعدوها وجعلوها وقاية لهم وليس بأيدينا من الحدود الذاتية لله شئ والذي عندنا إنما هي الحدود
(١٦٠)