فالناس أمته من آدم إلى يوم القيامة فبشره الله بالمغفرة لما تقدم من ذنوب الناس وما تأخر منهم فكان هو المخاطب والمقصود الناس فيغفر الله للكل ويسعدهم وهو اللائق بعموم رحمته التي وسعت كل شئ وبعموم مرتبة محمد صلى الله عليه وسلم حيث بعث إلى الناس كافة بالنص ولم يقل أرسلناك إلى هذه الأمة خاصة ولا إلى أهل هذا الزمان إلى يوم القيامة خاصة وإنما أخبره أنه مرسل إلى الناس كافة والناس من آدم إلى يوم القيامة فهم المقصودون بخطاب مغفرة الله لما تقدم من ذنب وما تأخر والله ذو الفضل العظيم لكن ثم مغفرة في الدنيا وثم مغفرة في القبر وثم مغفرة في الحشر وثم مغفرة في النار بخروج منها وبغير خروج لكن يستر عن العذاب أن يصل إليه بما يجعل له من النعيم في النار مما يستعذ به فهو عذاب بلا ألم وقد انتهت سؤالاته رضي الله عنه وانتهى ما ذكرناه من الأجوبة عليها من غير استيفاء وما تركناه من ذلك في الجواب أكثر مما أوردنا بما لا يتقارب فإن الاختصار أولى من الإكثار إذ باب النطق والإبانة عن حقائق الأمور لا يتناهى فإن علم الله أوسع فتعليمه لنا لا يقف عند حد والله الموفق لا رب غيره انتهى الجزء الحادي والتسعون (بسم الله الرحمن الرحيم) (الباب الرابع والسبعون في التوبة شعر) الاعتراف متاب كل محقق * وبه الإله الحق يشرح صدره رضي الإله عن المخالف مثل ما * رضي الإله عن الموافق أمره ما ذا كثير أن ينال مناله * لا سيما إن كنت تعرف سره من عين منته ينال مخالف * ما ناله إن كنت تجهل قدره اعلم أيدنا الله وإياك أن الله يقول وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون فأمر بالتوبة عباده ثم لقنهم الحجة لو خالفوا أمره فقال تعالى ثم تاب عليهم ليتوبوا ليقولوا إذا سألوا ذلك أي لو تبت علينا لتبنا مثل قوله تعالى ما غرك بربك الكريم ليقول كرمك فهذا من باب تعليم الخصم الحجة خصمه ليحاجه بذلك إذا كان محبوبا وجاء بلفظة الإنسان بالألف واللام والإغرار ليعم جميع الناس فهذا مما يدلك على إن إرادة الحق بهم السعادة في المال ولو نالهم ما نالهم مما يناقضها غير أن توبة الله مقرونة بعلى لأن من أسمائه الاسم العلي وتوبة الخلق مقرونة بإلى لأنه المطلوب بالتوبة فهو غايتها واجتمع الحق والخلق في من من التوبة فهم رجعوا إليه من أنفسهم والعارفون رجعوا إليه منه والعلماء بالله رجعوا إليه من رجوعهم إليه وأما العامة فإنها رجعت من المخالفات إلى الموافقة والحق عز وجل رجع إليهم من كناية إن يخذلكم ليرجعوا إليه بحسب ما تقتضيه مقاماتهم التي فصلناها آنفا فرجوع الحق عليهم ليرجعوا إليه مثل قوله يحبهم ويحبونه فرجوعه عليهم رجوع عناية محبة أزلية ليتوبوا فإذا تابوا أحبهم حب من رجع إليه فهو حب جزاء قال تعالى إن الله يحب التوابين فهذا الحب منه ما هو الأول وللعبد حب آخر زائد على قوله ويحبونه وهو أنه قال صلى الله عليه وسلم أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه فهذا حب جزاء المنعم لما أنعم به عليهم فهذا الحب منهم في مقابلة أن الله يحب التوابين حب جزاء لحب جزاء والأول حب عناية منه ابتداء وحبهم إياه حب إيثار لجنابه لا حب آلاء ونعم فالتوبة منهم عن محبة منتجة لمحبة أخرى منه فهي بين محبتين متعلقتين بهم من الله كتوبته عليهم عن محبة منهم تنتج محبة أخرى منهم فتوبته عليهم بين محبتين أيضا وهذا من باب خلق الله آدم على صورته أي جميع ما تقبله الحضرة الإلهية من الصفات يقبلها الإنسان الصغير والكبير وحدها ترك الزلة في الحال والندم على ما فات والعزم على أنه لا يعود لما رجع عنه ويفعل الله بعد ذلك ما يريد فأما ترك الزلة في الحال فلا بد منه لأن سلطان وقته الحياء والحياء يحول بسلطانه بين من قام به وبين تعدى حدود الله ومن أسماء الله تعالى المذكور في السنة الحي وأن الله يستحيي يوم القيامة من ذي الشيبة فحياء الله من العبد إنه قد أعلمه أنه سبحانه لا يتوبون إليه حتى يتوب عليهم فإذا وقف المخذول الذي لم يتب الله عليه فلم يتب إليه وكان في حال وقوفه بين يديه يوم القيامة ذاكرا في نفسه هذه الآية ثم تاب
(١٣٩)