عمل بها من حيث عقله ومن عمل بها من حيث عقله قد لا يعمل بها من حيث شرعه فالعامل بها من حيث عقله ينسبها إلى هياكل منورة أو عقول مجردة عن المواد لا بد من ذلك والعامل بها من حيث شرعه ينسبها إلى الله سبحانه وينسبها من حيث آثارها وما تنظر إليه لوضع الوسائط بينك وبينها إلى الهياكل النورية والعقول المجردة عن المواد وأما العامة فلا يعرفونها إلا لله خاصة أو للأسباب القريبة المعتادة المحسوسة خاصة لا يعلمون غير هذا وما رأيت ولا سمعت عن أحد من المقربين أنه وقف مع ربه على قدم العبودة المحضة فالملأ الأعلى يقول أتجعل فيها من يفسد فيها والمصطفون من البشر يقولون ربنا ظلمنا أنفسنا ويقولون رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ويقولون إن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض من بعد اليوم وهذا كله لغلب الغيرة عليهم واستعجال لكون الإنسان خلق عجولا فهي حركة طبيعية أظهرت حكمها في الوقت فانحجب عن صاحبها من العبودة بقدر استصحاب مثل هذا الحكم لصاحبها وكل ما كان يقدح في مقام ما ويرمي به ذلك المقام فإن صاحب ذلك المقام لم يتصف في تلك الحال بالكمال الذي يستحقه وإن كان من الكمل فنور العبودية على السواء من نور الربوبية فإنه من أثره وعلى قدر ما يقدح في العبودية يقدح في الربوبية وإن كان مثل هذا القدح لا يقدح ولا يؤثر في السعادة الطبيعية ولكن يؤثر في السعادة العلمية وأعم الدرجات في ذلك درجتان درجة العجلة التي خلق الإنسان عليها ودرجة الغفلة التي جبل الإنسان عليها ولولا إن الملأ الأعلى له جزء في الطبيعة ومدخل من حيث هيكله النوري ما وصفهم الحق بالخصام في قوله ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون ولا يختصم الملأ الأعلى إلا من حيث المظهر الطبيعي الذي يظهر فيه كظهور جبريل في صورة دحية وكذلك ظهورهم في الهياكل النورية المادية وهي هذه الأنوار التي تدركها الحواس فإنها لا تدركها إلا في مواد طبيعية عنصرية وأما إذا تجردت عن هذه الهياكل فلا خصام ولا نزاع إذ لا تركيب ومهما قلت اثنان كان وقوع الخصام لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فالوحدة من جميع الوجوه هو الكمال الذي لا يقبل النقص ولا الزيادة فانظر من حيث هي لا من حيث الموحد بها فإن كانت عين الموحد بها فهي نفسها وإن لم تكن عين الموحد بها فهو تركيب فما هو مقصودنا ولا مطلب الرجال ولهذا اختلفت أحكام الأسماء الإلهية من حيث هي أسماء فأين المنتقم والشديد العقاب والقاهر من الرحيم والغافر واللطيف فالمنتقم يطلب وقوع الانتقام من المنتقم منه والرحيم يطلب رفع الانتقام عنه وكل ينظر في الشئ بحسب حكم حقيقته فلا بد من المنازعة لظهور السلطان فمن نظر إلى الأسماء الإلهية قال بالنزاع الإلهي ولهذا قال تعالى لنبيه وجادلهم بالتي هي أحسن فأمره بالجدال الذي تطلبه الأسماء الإلهية وهو قوله التي هي أحسن كما ورد في الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإذا جادل بالإحسان جادل كأنه يرى ربه ولا يرى ربه مجادلا إلا إذا رآه من حيث ما تطلبه الأسماء الإلهية من التضاد فاعلم ذلك وما منعني من تحصيل هذا المقام إلا الغفلة لا غير فليس بيني وبينه أالغفلة وهو حجاب لا يرفع وأما حجاب العجلة فأرجو بحمد الله أنه قد ارتفع عني وأما حجاب الغفلة فمن المحال رفعه دائما مع وجود التركيب حيث كان في المعاني أو في الأجسام ولو ارتفع هذا الحجاب لبطل سر الربوبية في حق هذا الشخص وهو الذي أشار إليه سهل بن عبد الله أو من كان يقوله إن للربوبية سرا لو ظهر لبطلت الربوبية لكنه ممكن الحصول بالنظر إلى نفسه ولكن لا أدري هل تقتضي الذات تحصيله وظهوره في الوجود أم لا غير أني أعلم أنه ما وقع ومع هذا فلا أقطع يأسي من تحصيله مع علمي باستحالة ذلك وينبغي للناصح نفسه أن يقارب هذا المقام جهد الاستطاعة وأما القائلون بالتشبه بالحضرة الإلهية جهد الطاقة وهو التخلق بالأسماء إنه عين المطلوب والكمال فهو صحيح في باب السلوك لا في عين الحصول وأما في عين الحصول فلا تشبه بل هو عين الحق والشئ لا يشبه نفسه فأعلى المظاهر مظاهر الجمع وهو عين التفريق (السؤال السابع والثمانون) ما يقتضي الحق من الموحدين الجواب أن لا مزاحمة وذلك أن الله لما تسمى بالظاهر والباطن نفى المزاحمة إذ الظاهر لا يزاحم الباطن والباطن لا يزاحم الظاهر وإنما المزاحمة أن يكون ظاهران أو باطنان فهو الظاهر من حيث المظاهر وهو الباطن من حيث الهوية فالمظاهر متعددة من حيث أعيانها لا من حيث
(٩٣)