انتهى صار الظاهر باطنا وعاد الباطن ظاهرا فإن الحكم له فيبطن الختم في الافتتاح عند البدء ويبطن الافتتاح في الختام عند النهاية قيل في رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه خاتم النبيين فبطن بظهور ختمه كونه نبيا وآدم بين الماء والطين ولما ظهر كونه نبيا وآدم بين الماء والطين واستفتح به مراتب البشر كان كونه خاتم النبيين باطنا في ذلك الظهور وأما الإلهية فالوجود منه وإليه يرجع الأمر كله فاعبده بينهما وتوكل عليه فيهما وما ربك بغافل عما تعملون حيث أنتم مظاهر أسمائه الحسنى وبها تسعدون وتشقون والله معكم ولن يتركم أعمالكم فسلم الأمر إليه واستسلم تكن موافقا لما هو الأمر عليه في نفسه فتستريح من تعب الدعوى بين الافتتاح والختم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (السؤال الحادي عشر) بما ذا يجابون الجواب بحسب حالهم ووقتهم وحالهم ووقتهم بحسب الاسم الذي هو الحاكم فيهم بين الافتتاح والختم فإنه بين الختم والافتتاح تكون أسماء كثيرة إلهية هي الناطقة في تلك الأعيان من أهل المجالس والحديث فيكون الجواب بحسب ما وقع به حكم الاسم ولكن ما يجابون إلا باسم ولا بد فإن كان الحديث معنويا عن شهود فقد يقع الجواب بالذات معراة من الأسماء وهو بمنزلة المجاز من الحقيقة ويجتمع هذا مع الحديث في الإفادة والاستفادة فمن راعى الاستفادة والإفادة ألحق هذا المقام بأهل المجالس والحديث وهو الذي قصده الترمذي لكونه قال أهل المجالس والحديث ولم يقل أهل الحديث خاصة ومن الناس من لا يراعي سوى الحديث فلا يجعل في هذه الحضرة حكما لحديث معنوي حالي فإنه يقول مطلبي الحقائق ولكنه صاحب هذا القول كأنه غير محقق وما أوقعه في ذلك إلا تقيد الحديث بالألفاظ وأما نحن فعلى مذهب الترمذي في ذلك فإنا ذقناه في المجالسة حديثا معنويا في غاية الإفهام معرى عن الاحتمال والإجمال بل هو تفصيل محقق في عين واحدة وهو الذي يعول عليه في هذا الفصل (السؤال الثاني عشر) كيف يكون صفة سيرهم يعني إلى هذه المجالس والحديث ابتدأ قلنا في الجواب بالهمم المجردة عن السوي وبسط ذلك ما نقول وهو أن الأمور المعنوية التي لا تقبل المواد ولا تحددها لا يصح السير إلى تحصيلها أو تحصيل ما يكون منها بقطع المسافات وتذريع المساحات لكن قد يقترن بالهمة حركات مادية مبناها على علم أو إيمان بشرط التوحيد فيهما فأما سيرهم من حيث ما هم علماء فبتصفية النفوس من كدورات الطبيعة واتخاذ الخلوات لتفريغ القلوب عن الخواطر المتعلقة بأجزاء الكون الحاصلة من إرسال الحواس في المحسوسات فتمتلئ خزانة الخيال فتصور القوة المصور منها بحسب ما تعشقت به من ذلك فتكون هذه الصور حائلة بينه وبين حصول هذه المرتبة الإلهية فيجنحون إلى الخلوات والأذكار على جهة المدح لمن بيده الملكوت فإذا صفت النفس وارتفع الحجاب الطبيعي الذي بينها وبين عالم الملكوت انطبع في مرآتها جميع ما في صور عالم الملكوت من العلوم المنقوشة فيطلع الملأ الأعلى على هذه النفس التي هي بهذه المثابة فيرى فيها ما عنده فيتخذها مجلي ظهور ما فيه فيكون الملأ الأعلى معينا له أيضا على استدامة ذلك الصفاء ويحول بينه وبين ما يقتضيه حجاب الطبع فتتلقى هذه النفس من العالم العلوي بقدر مناسبتها منهم من العلم بالله فيؤد بهم ذلك العلم إلى التلقي من الفيض الإلهي ولكن بوساطة الأرواح النورية لا بد من ذلك فيسمون ذلك سيرا ولا بد من تجريد الهمم في الطلب لذلك ولولا تعلق الهمة بتحصيل ما تقرر عندها مجملا ما صح له توجه إلى الملأ الأعلى فإن اتفق أن يكون هذا الرجل في سيره مع علمه مؤمنا أو يكون صاحب إيمان من غير علم فإن همته لا تتعلق إلا بالله فإن الايمان لا يدله إلا على الله والعلم إنما يدله على الوسائط وترتيب الحكمة المعتادة في العالم فصفة سير أصحاب الايمان ما لهم طريق إلى ذلك إلا بعزائم الأمور المشروعة من حيث ما هي مشروعة وهم على قسمين طائفة منهم قد ربطت همتها على أن الرسول إنما جاء منبها ومعلما بالطريق الموصلة إلى جناب الحق تعالى فإذا أعطى العلم بذلك زال من الطريق وخلى بينهم وبين الله فهؤلاء إذا سارعوا أو سابقوا إلى الخيرات وفي الخيرات لم يروا إمامهم قدم أحد من المخلوقين لأنهم قد أزالوه من نفوسهم وانفردوا إلى الحق كرابعة العدوية فهؤلاء إذا حصلوا في المجالس والحديث خاطبهم الحق بالكلام الإلهي من غير وساطة لسان معين وأما الطائفة الأخرى فهم قوم جعلوا في نفوسهم أنهم لا سبيل
(٤٨)